السؤال
هناك من يقول: إن الإنسان جُبِل على الشر، وبعضهم يستدل بالحسد، فهل يصح أن نقول: إن الإنسان مجبول على الخير؛ لأن كل الناس حاليًّا هم أبناء نبي الله نوح؟ وقد ذكر أن العرب لهم مكارم أخلاق محمودة لا تنحصر سجيةً لهم جُبِلوا عليها، كما في كتاب مسبوك الذهب في فضل العرب.
وقد قرأت أن يأجوج ومأجوح أمة خبيثة، فكيف ذلك وهم أبناء نبي الله نوح -عليه السلام-، والأنبياء أطيب الناس، خاصة أن الأنبياء يبعثون من الأنساب الأصيلة التي لها أثر على الذرية.
وقد ذكر أن العرب خير ولد إبراهيم، وأنهم جبلوا على مكارم الأخلاق، فهل سبب ذلك أن إسماعيل نفسه هو خير ولد إبراهيم؟ وهل يمكن أن يكون من بني إسماعيل من جُبِل على خلق سيئ، مع أن بني إسماعيل جبلوا على مكارم الأخلاق؟
وقد قال ابن عثيمين: إن بني هاشم، من أطيب العرب معدنًا، فهل ينطبق ذلك على كل هاشمي، أم إن هناك من بني هاشم من لا ينطبق عليه هذا القول؟ وهل يمكن أن يوجد شخص غير هاشمي أنقى معدنًا من شخص هاشمي؟ وهل من الممكن أن يوجد من بني هاشم من جبل على خلق سيئ؟ جزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل الذي تولّدت منه هذه الإشكالات الكثيرة، هو توهمك أن نسل الأنبياء يقتضي ويستلزم الخيرية، وحسن الطبع لكل فرد من أفراده، وهذا وهم فاسد، يكذّبه الشرع والواقع؛ فالبشر كلهم بعد نوح -عليه السلام- هم من ذريته، كما قال تعالى: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ {الصافات:77}، والقرآن مليء بقصص المكذّبين، وأعداء الرسل، وشرار الخلق الذين هم من ذرية نوح -عليه السلام-.
بل أنت تقرأ في القرآن الكريم نبأ كفر ابن نوح بأبيه، كما قال سبحانه: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ {هود:42-43}.
وقد سبق أن بينا معنى تفضيل الأنساب في الشرع، وأن الفضيلة بالنسب فضيلة في الجملة، وليست للأعيان والأفراد، وفضيلة لأجل المظنة، وليست على سبيل التحقيق، فكم في أصحاب الأنساب الرفيعة من ذوي أخلاق وطباع وضيعة، فانظر الفتاوى: 368323، 53423، 135796.
وإذا علمت هذا وعقلته؛ ارتفعت الإشكالات التي ذكرتها.
واعلم أن الأصل في الإنسان عمومًا هو الظلم، والجهل، إلا من رحم الله، كما قال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا {الأحزاب:72}، قال ابن تيمية: وأما قول من يقول: الأصل في المسلمين العدالة، فهو باطل؛ بل الأصل في بني آدم الظلم، والجهل، كما قال تعالى:{وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا}، ومجرد التكلّم بالشهادتين، لا يوجب انتقال الإنسان عن الظلم والجهل إلى العدل. اهـ. من مجموع الفتاوى.
وقال ابن القيم: الإنسان خلق في الأصل ظلومًا جهولًا، ولا ينفك عن الجهل والظلم، إلا بأن يعلّمه الله ما ينفعه، ويلهمه رشده، فمتى أراد به الخير، علّمه ما ينفعه، فخرج به من الجهل، ونفعه بما علّمه، فخرج من الظلم. ومتى لم يرد به خيرًا، أبقاه على أصل الخلقة، كما في "المسند" من حديث عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله خلق خلقه في ظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره، فمن أصابه ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل. اهـ. من إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان.
وانظر في هذا الفتويين: 282388، 248146.
والله أعلم.