السؤال
يوجد العديد من البراهين توضح التشابه بين خرافة صلب سيدنا عيسى -عليه السلام- مع خرافات أخرى من معتقدات أقدم من الإنجيل والتوراة.
والسؤال بخصوص الصفحات من 236 إلى 240 من كتاب "منهجية جمع السنة جمع الأناجيل دراسة مقارنة" د. عزية علي -رحمها الله-، حيث تناقش في تلك الصفحات التشابه بين إنجيل اليوم المحرف، والديانة البرهمية.
ما يؤرقني هو تشابه أحداث قصة الشخصية "كريشنا" الموجودة بالديانة البرهمية مع أحداث قصة سيدنا عيسى الموجودة بالإنجيل، والتي يوجد مثل معناها تماما في القرآن، فمثلاً:
"قال الهندوس: لقد مجدت الملائكة ديفاكي والدة كريشنا ابن الإله، والتي كانت عذراء عندما حملت به. وقالت الملائكة يحق للكون أن يفاخر بابن هذه الطاهرة التي ولدت ابن الإله.
ويقول النصارى: دخل النصارى على مريم العذراء والدة يسوع المسيح وقال لها: سلام لك أيها المنعم عليها، الرب معك.
وفي القرآن يقول الله سبحانه: وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين (42) آل عمران.
ويقول: فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا (17) مريم.
ويقول: قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا (19) قالت أنى يكون لي غلام و لم يمسسني بشر ولم أك بغيا (20) مريم.
"قال الهندوس: بعدما أرضعته أمه صارت تبكي وتندب حظها وتتحسر مما قد يحدث له من مآسٍ في حياته، فكلمها كريشنا وعزاها.
ويقول النصارى: وقال المسيح لأمه وهو طفل: يا مريم أنا يسوع ابن الإله، جئت كما أخبرك جبرائيل الذي أرسله أبي إليك، وقد أتيت لأخلص العالم."
وفي القرآن يقول الله تعالى: فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا (23) فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا (24) مريم.
"يقول الهندوس: وسمع حاكم البلاد بولادة كريشنا الطفل الإلهي فطلب قتل الولد. ولكي يتوصل إلى أمنيته أمر بقتل كافة الأولاد الذكور الذين ولدوا في الليلة التي ولد فيها كريشنا.
ويقول النصارى: وسمع حاكم البلاد بولادة الطفل يسوع الإلهي وطلب قتله. ولكي يتوصل إلى أمنيته أمر بقتل كافة الأولاد الذين ولدوا في الليلة التي ولد فيها يسوع المسيح."
ويقول الله عز وجل: أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون (87) البقرة.
أريد جوابا شافيا منطقيا يقبله كل عاقل لسبب هذا التشابه، فأنتم أهل الذكر، وأنا لا أعلم، وها أنا أسأل. وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتفاصيل الكثيرة والدقيقة المذكورة في الصفحات (من 236 إلى 240) من كتاب "منهجية جمع السنة وجمع الأناجيل دراسة مقارنة" تبعا لمصدره (كتاب مقارنات الأديان. من 30 إلى 42) تدعو بالفعل للتساؤل والاستنكار، ولاسيما فيما هو ظاهر البطلان، كادعاء الولد لله تعالى، سواء في حق كريشنا، أو المسيح عليه السلام!
ولكن ذلك كله على كثرته وتفاصيله لا يشبه ما في القرآن المجيد! إلا في موضعين مجملين، هما:
ـ مخاطبة الملائكة لمريم. ويكفي في الفرق بين القرآن وغيره، الفرق الهائل في فحوى هذا الخطاب، ففي البرهمية نص على البنوة الباطلة المزعومة لله تعالى، بما فيها من كفر وشرك: (يحق للكون أن يفاخر بابن هذه الطاهرة التي ولدت ابن الإله).
وأما القرآن ففيه خطاب ملائكي حقا وصدقا: قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ... قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [آل عمران: 42 : 45].
فأين هذا من ذاك؟ وأين الشرك من التوحيد، والإيمان من الكفر؟ فهنا في القرآن توحيد وإيمان: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ. مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [مريم: 34 - 36] وأما هناك "ولدت ابن الإله". فهذا إنما يشبه ما في الإنجيل المحرَّف، لا ما في القرآن.
ـ والموضع الثاني: مخاطبة عيسى لأمه مريم -عليهما السلام-.
فأما في البرهمية فخطاب كريشنا لأمه ثابت نصًّا، وأنه كان بعدما أرضعته.
وأما في القرآن فليس فيه ذكر للرضاعة، كما أن الآية ليس فيها نص على المنادي، من هو؟ ففيها احتمالان، الأول: أن يكون هو جبريل عليه السلام، والثاني: أن يكون هو عيسى عليه السلام.
قال الماوردي في تفسيره النكت والعيون: {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهآ أَلاَّ تَحْزَنِي} فيه قولان:
أحدهما: أن المنادي لها من تحتها جبريل. قاله ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي.
الثاني: أنه عيسى ابنها. قاله الحسن ومجاهد. اهـ.
وأما الموضع الثالث الذي ذكره السائل، فلا إشكال فيه أصلا. فأين قصة سماع حاكم البلاد بولادة كريشنا الطفل الإلهي وطلب قتله، وقتل كافة الذكور الذين ولدوا في ليلة ولادته، أين هذا من قول الله تعالى: أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ [البقرة: 87] فالمخاطبون بهذه الآية هم بنو إسرائيل.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: والمراد بهذه الآية بنو إسرائيل. اهـ.
وقال البغوي في تفسيره: {أفكلما جاءكم} يا معشر اليهود {رسول بما لا تهوى أنفسكم}. اهـ.
ولذلك؛ فإنا لا نرى وجها لقول السائل عن هذه المواضع الثلاثة: (والتي يوجد مثل معناها تماما في القرآن)!
وأما المشكل حقًّا فهو التفاصيل الكثيرة والدقيقة في التشابه بين رواية الأناجيل المحرفة، وبين قصة كريشنا في البرهمية.
ثم ننبه على تصحيح العبارة الواردة في السؤال عن النصارى: (دخل النصارى على مريم العذراء) وصوابها: (دخل الملاك على مريم العذراء).
والله أعلم.