السؤال
قمت بإرسال رسالة محتواها ـ وأعتذر منكم على كثرة طرح الأسئلة على موقعكم، ولكن ثقتي بكم تجعلني أطرح جميع أسئلتي في هذا الموقع المميز ـ هل يجوز للرجل أن يضرب زوجته إن لم تطعه في الفراش؟ وقد سمعت هذه الجملة من أحد أصدقائي، وكان معه فيديو لشيخ يقول: يحق للزوج ضرب زوجته إن لم تطعه في الفراش، والأسباب غريبة بالنسبة لي، مثل: إذا ازدادت به الشهوة، فأين سيذهب؟ ولماذا يحق للرجل ضرب زوجته لهذا السبب، ولا يحق للمرأة أن تضرب زوجها لنفس السبب، مع أن الكثير من الشباب يتزوج ويترك زوجته أسابيع...؟ ولماذا يضربها بدل أن يصبر عليها، وسأذكر لكم خمس جمل:
1ـ خيركم خيركم لأهله.
2ـ رفقًا بالقوارير، أي: النساء.
3ـ استوصوا بالنساء خيرًا.
4ـ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم.
5ـ ما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم.
وفي إحدى استشاراتكم سؤال لشاب يقول: لماذا العادة السرية حرام، والجماع ليس حرامًا، وفي الحالتين يصل الشاب للنشوة؟ وذكرتم في الجواب أن الجماع يقوي العلاقة بين المرء وزوجه، وكلنا نعلم أن العلاقة لا تبنى بالضرب، والفرق بين الاغتصاب والجماع أن الاغتصاب ضرب وتعذيب، والجماع تناغم بين الطرفين، وإذا كانت المرأة حاملًا ترفض الجماع خوفًا على الجنين، أو مريضة، ولا تريد أن تنقل المرض لزوجها عن طريق الجماع، وفي هذه الحالة يستطيع الرجل أن يطلب من أخته أو أمه أن تتحدث مع زوجته، وأظن أن هذا الحل أفضل من ضربها.
وكان الجواب كالتالي: الزائر الكريم نشكركم على زيارة موقع إسلام ويب، ونفيدكم بخصوص الرسالة التي قمتم بإرسالها: أنه يمكنكم إرسال سؤالكم للجهة المختصة، وهي مركز الفتوى.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
ففي البدء نشكرك على إعجابك بموقعنا، وثقتك فيه، ونسأل الله عز وجل أن يجعله ذخرًا لنا ولكم في الدنيا والآخرة، وقد سبقت الإجابة عن سؤالك رقم: 2647201، في الفتوى رقم: 342109، وتم حذف المكرر.
والأصل أنه يحرم على الزوج أن يضرب زوجته، ولا يجوز له أن يؤذيها بأي أذى، ما دامت صالحة مستقيمة، وقد هدد الشرع الحكيم الزوج وتوعده في حال تعرضه لها بأي أذى، قال تعالى: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا {النساء:34}.
قال ابن كثير في تفسيره: قوله: إن الله كان عليًّا كبيرًا ـ تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليُّهن، وهو منتقم ممن ظلمهن, وبغى عليهن. اهـ.
وجاءت إباحة الضرب في حدود ضيقة، وذلك فيما إذا نشزت الزوجة بأن تعالت على زوجها ولم تطعه فيما يجب عليها طاعته فيه، ولم يجعل الضرب أول الحلول، بل هنالك خطوات تسبقه، كالوعظ، والهجر في المضجع، ثم إنه ليس ضربًا على سبيل التشفي، أو لأجل الإيذاء والإيلام، فهو ضرب تأديب يسير، وراجعي للمزيد الفتويين رقم: 1103، ورقم: 282514.
وحاصل الأمر أن الضرب ثابت في الكتاب، والسنة بهذه الضوابط المذكورة، فما على المسلم إلا الرضا والتسليم، والأحاديث التي جاءت بالأمر بالإحسان إلى الزوجة لا تنافي هذا؛ لكونها مبنية على ذلك الذي أشرنا إليه أولًا، وجاء الضرب في حالة خاصة -كما أسلفنا القول في ذلك-، ثم إن الكل وحي، فمن سلم بهذا فعليه أن يسلم بالآخر، هذا مع التنبيه إلى أن حديث: ما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم ـ قد حكم الشيخ الألباني بأنه موضوع.
والضرب قد رخص فيه ليرد الأمر إلى جادة الصواب، لا ليحمل به الزوج زوجته على الجماع بالقوة، فلا يصح التسوية بين الجماع والاغتصاب، ثم إن الاغتصاب يطلق عند من يذكره على الزنى بالقوة، وليس ههنا زنى، ومن حكمة الشرع أنه لم يرخص للمرأة بضرب زوجها؛ لأن هذا يبطل أمر قوامته عليها، وقد قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ. وهي قوامة إدارة وتدبير، لا قوامة استبداد وتسلط.
وإن منع الزوج زوجته حقها في الفراش، فهنالك ما يمكنها فعله، بأن تمنعه ذلك أيضًا لكونه ظالمًا لها، قال الشيخ ابن عثيمين في شرحه على رياض الصالحين: والحاصل أن هذه الألفاظ التي وردت في هذا الحديث هي مطلقة، لكنها مقيدة بكونه قائمًا بحقها، أما إذا لم يقم بحقها فلها أن تقتص منه، وأن تمنعه من حقه مثل ما منعها من حقها؛ لقوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ـ وقوله: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به. اهـ.
وبإمكانها أيضًا أن ترفع الأمر إلى القضاء، أو تطلب الطلاق، فهنالك مخرج شرعي لها.
وأما إقناع الزوجة عن طريق أقارب الزوج، أو أقاربها، فإن أمكن، فهو أفضل، ولكن لا يخفى أن أمر الفراش مما يستحيى من ذكره عادة، فقد لا يكون من المناسب انتهاج هذا النهج من الحل، نعم يمكن في نشوزها في أمور أخرى غير الفراش.
ونصيحتنا لك في الختام أن تبتعدي عن إثارة أسئلة الشبهات، وأن تصرفي همتك إلى السؤال عما وراءه عمل، فهذا خير وأزكى للنفس.
والله أعلم.