الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدا النبي صلى الله عليه وسلم لم ينجوا من النار

السؤال

هل صحيح أن السيدة آمنة بنت وهب، وجد الرسول (عبد المطلب) وعمه أبا طالب، وأباه عبد المطلب في النار، لأنهم ماتوا على غير دين التوحيد؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد دلت السنة الصحيحة على أن أبا طالب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- من أهل النار، والعياذ بالله تعالى، وذلك لأنه مات على الكفر، روى البخاري من حديث العباس بن عبد المطلب أنه قال: قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ما أغنيت عن عمكِ، فإنه كان يحوطك ويغضب لك، قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار. وانظر الفتوى: 8306.

وظاهر الأحاديث يدل على أن آمنة بنت وهب أم النبي -صلى الله عليه وسلم- من أهل النار كذلك، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أزور قبرها فأذن لي. والحديث رواه كذلك النسائي وأبو داود.

قال صاحب عون المعبود في شرحه لهذا الحديث، قوله: فَلَمْ يَأْذَنْ لِي: قال: لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ وَالِاسْتِغْفَارُ لِلْكَافِرِينَ لَا يَجُوزُ. انتهى.

وقد جاء التصريح بأنها من أهل النار في ما رواه أحمد وصححه الألباني في ظلال الجنة عن أبي رزين قال: قلت يا رسول الله أين أمي؟ قال: أمك في النار، قال: قلت: فأين من مضى من أهلك؟ قال: أما ترضى أن تكون أمك مع أمي في النار.

قال في عون المعبود: وقد بسط الكلام في عدم نجاة الوالدين العلامة إبراهيم الحلبي في رسالة مستقلة، والعلامة القارئ في شرح الفقه الأكبر، ويشهد لصحة هذا الحديث الصحيحُ وهو: إن أبي وأباك في النار. انتهى.

ومن أهل العلم من قال إن الله تعالى أحيا أبوي النبي -صلى الله عليه وسلم- له حتى آمنا به، كما نقل هذا الرملي عن القرطبي، وانظر الفتوى: 1041.

أما عبد المطلب فقد ورد بشأنه حديث رواه أحمد والنسائي عن عبد الله بن عمر قال: بينما نحن نسير مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ بصر بامرأة لا تظن أنه عرفها، فلما توسط الطريق وقف حتى انتهت إليه، فإذا فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال لها: ما أخرجك من بيتك يا فاطمة، قالت: أتيت أهل هذا الميت فترحمت إليهم وعزيتهم بميتهم، قال: لعلك بلغت معهم الكدى، قالت: معاذ الله أن أكون بلغتها وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر، فقال لها: لو بلغتها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك. وقد ضعف الحديث الألباني والأرنؤوط.

وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن الحديث على غير ظاهره وأنه مؤوّل، قال السيوطي في شرحه للحديث: وَأَهْلُ السُّنَّةِ يُؤَوِّلُونَ مَا وَرَدَ مِنَ الْحَدِيثِ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَالْمُرَادُ لَا يَدْخُلُونَهَا مَعَ السَّابِقِينَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَهَا أَوَّلًا بِغَيْرِ عَذَابٍ. إلى أن قال: وَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ ‌لَمْ ‌تَرَ ‌الْجَنَّةَ حَتَّى يَأْتِيَ الْوَقْتُ الَّذِي يَرَاهَا فِيهِ جَدُّ أَبِيكِ فَتَرَيْنَهَا حِينَئِذٍ فَتَكُونُ رُؤْيَتُكِ لَهَا مُتَأَخِّرَةً عَنْ رُؤْيَةِ غَيْرِكِ مِنَ السَّابِقِينَ لَهَا هَذَا مَدْلُولُ الْحَدِيثِ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى قَوَاعِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ غَيْرُ ذَلِكَ وَالذِي سَمِعْتُهُ مِنْ شَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ شَرَفِ الدِّينِ الْمُنَاوِيِّ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْفَتْرَةِ الَّذِينَ لَمْ تَبْلُغْ لَهُمُ الدَّعْوَةُ وحكمهم فِي الْمَذْهَب مَعْرُوف. اهـ.

ويرى ابن كثير أن الحديث على ظاهره، وحكم بالنار لعبد المطلب، قال في البداية بعد أن ساق الحديث المذكور: وإخباره صلى الله عليه وسلم عن أبويه وجده عبد المطلب بأنهم من أهل النار، لا ينافي الحديث الوارد عنه من عدة طرق متعددة أن أهل الفترة والأطفال والمجانين والصم يمتحنون في العرصات يوم القيامة. انتهى.

ولعل ما ذهب إليه المناوي في اعتبار عبد المطلب من أهل الفترة أصح؛ لأن الحديث الوارد بشأن أنه من أهل النار ضعيف لا يحتج به.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني