السؤال
ذهب رجل إلى أحد الأشخاص الذين يخرجون الجن من أجساد الناس عن طريق النفخ في وجوههم فيتكلم معه الجن ويطلب منه الخروج فيخرج من جسد المصاب وهو ذهب في الأصل ليشاهد ما يحدث.
ثم بدافع الفضول طلب من ذلك الرجل الذي يخرج الجن أن يسأل الجن عنه هل هو معه مس أو ملبوس؟ فأجاب الجن الرجل أنه ملبوس، فهل بسؤاله الجن وتصديق الكلام الذي قاله يكون كفر أم أن هذا لا يدخل في الغيب المطلق بل غيب نسبي؟.
علما بأن هذا الرجل سأل الرجل الذي معه الجن ويساعد الناس عن سر ذلك فقال إن معه جنا مسلما سخره أو أحدا سخره له، وهذا الرجل لم يأخذ مالا نظير الإجابة على سؤال الرجل.
فهل يدخل ذلك الرجل في حكم الكاهن، أم أن أمره غير معلوم فقد لا يكون يعمل أشياء مكفرة وقد يكون.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مجرد الكلام مع الجن وسؤالهم وتصديقهم لا يعتبر كفرا، كما لا يعتبر كلامهم عما شاهدوه من الغيب المطلق، فالغيب المطلق: هو ما غيبه الله عن جميع خلقه، فلم يطلع عليه أحدا منهم؛ بل استأثر الله تعالى بعلمه، وقد تكلم أبو هريرة مع الجني السارق وصدقه، كما في حديث البخاري.
ولكنه لا يجوز للمسلم إتيان الكهان والعرافين الذين يستعينون بالجن؛ لأن الجن أهل خداع وكذب فلا يجوز استرقاء من يستعينون بهم ولا سؤالهم ولا تصديقهم في قولهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد.
ويختلف حكم من أتى الكاهن أو العراف باختلاف حاله، فمن أتاه وصدقه في قوله معتقداً علمه بالغيب، فإنه يكفر كفراً مخرجاً من الملة، وذلك لإشراكه به مع الله في علم الغيب الذي استأثر به لنفسه، قال سبحانه: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ {النمل:65}.
وأما من أتاه وصدقه مع اعتقاده أنه لا يعلم الغيب، وأنه يأخذ أخباره من الجن الذين يسترقون السمع، أو من القرين المصاحب للإنسان، فبعض العلماء قال: إنه يكفر كفراً مخرجاً من الملة، والبعض الآخر قال: كفراً دون كفر، وهو كبيرة من الكبائر.
وإن أتاه لمجرد السؤال ولم يصدقه، فهذا لم يكفر لكنه ارتكب كبيرة من الكبائر، ويحرم ثواب صلاته أربعين يوماً زجراً له على معصيته، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة. رواه مسلم وأحمد عن بعض أمهات المؤمنين.
فقد جاء في تيسير العزيز الحميد: قوله: "من أتى كاهنًا..." إلى آخره، قال بعضهم: لا تعارض بين هذا الخبر، وبين حديث: "من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة" إذ الغرض في هذا الحديث أنه سأله معتقدًا صدقه وأنه يعلم الغيب فإنه يكفر، فإن اعتقد أن الجن تلقي إليه ما سمعته من الملائكة، أو أنه بإلهام فصدقه من هذه الجهة لا يكفر كذا قال، وفيه نظر، وظاهر الحديث أنه يكفر متى اعتقد صدقه بأي وجه كان، لاعتقاده أنه يعلم الغيب، وسواء كان ذلك من قِبَل الشياطين، أو من قِبَل الإلهام لا سيما وغالب الكهان في وقت النبوة إنما كانوا يأخذون عن الشياطين، وفي حديث رواه الطبراني عن واثلة مرفوعًا: "من أتى كاهنًا فسأله عن شيء حجبت عنه التوبة أربعين ليلة، فإن صدقه بما قال كفر" قال المنذري: ضعيف. فهذا ـ لو ثبت ـ نص في المسألة لكن ما تقدم من الأحاديث يشهد له، فإن الحديث الذي فيه الوعيد بعدم قبول الصلاة أربعين ليلة ليس فيه ذكر تصديقه، والأحاديث التي فيها إطلاق الكفر مقيدة بتصديقه. اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز: لا يجوز الذهاب إلى العرافين والسحرة والمنجمين والكهنة ونحوهم، ولا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم، ولا يجوز التداوي عندهم بزيت ولا غيره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن إتيانهم وسؤالهم وعن تصديقهم؛ لأنهم يدعون علم الغيب، ويكذبون على الناس، ويدعونهم إلى أسباب الانحراف عن العقيدة، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» (أخرجه مسلم في صحيحه)، وقال صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم»، وقال عليه الصلاة والسلام: «ليس منا من سحر أو سحر له، أو تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له»، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وفيما أباح الله من التداوي بالرقية الشرعية والأدوية المباحة عند المعروفين بحسن العقيدة والسيرة ما يكفي والحمد لله، والله ولي التوفيق. اهـ
وقال الشيخ ابن عثيمين: "والذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه، فهذا محرم، وعقوبة فاعله أن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، كما ثبت في صحيح مسلم (2230) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً).
القسم الثاني: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به، فهذا كفر بالله عز وجل؛ لأنه صدقه في دعوى علمه الغيب، وتصديق البشري دعوى علم الغيب تكذيب لقول الله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) النمل (65) ولهذا جاء في الحديث الصحيح: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم).
القسم الثالث: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ليبين حاله للناس، وأنها كهانة وتمويه وتضليل، وهذا لا بأس به، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى ابن صياد، فأضمر له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في نفسه، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم ماذا خَبَّأ له؟ فقال: الدخ، يريد الدخان" انتهى من مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (2/184).
والله أعلم.