السؤال
هل النصارى الذين يعيشون في بلاد المسلمين أو الذين يعيشون في بلادهم مثل أمريكا وإنجلترا وفرنسا وغيرهم يمكن أن يعذروا بسبب الجهل، أو بسبب تشويه دعوة الإسلام وصورتها وربطها دائما بالإرهاب وما شابه؟ أم أنهم يأخذون حكم الكفار والذين يعذرون هم الذين يعيشون في مناطق لا تصل إليهم الدعوة نهائيًّا مثل الغابات والكهوف وما شابه؟
أرجو من حضراتكم الرد عليّ في هذه المسأله لكن بشكل خاص مع عدم نشرها على الموقع، وجزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحجة تقوم على غير المسلم إذا بلغته دعوة الإسلام بطريقة يفهمها مثله، بحيث يتمكن من العلم بها، وهذا يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، كما سبق لنا تفصيله في الفتوى رقم: 158921.
ونحن لا نستطيع الحكم بالعذر أو قيام الحجة على عموم الناس وأعيانهم، فإن منهم من قامت عليه الحجة قطعًا، ومنهم من هو معذور، ومنهم من هو محل نظر، والله أعلم بحاله في الآخرة، لكنهم جميعًا يحكم لهم بالكفر في الدنيا، فكل من دان بغير الإسلام فهو كافر، سواء بلغته الحجة أم لا.
وقد قسم الغزالي أمثال هؤلاء في الآخرة إلى ثلاثة أقسام، فقال في كتابه (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة ص 84): أكثر نصارى الروم والترك في هذا الزمان تشملهم الرحمة -إن شاء الله تعالى-، أعني: الذين هم في أقاصي الروم والترك، ولم تبلغهم الدعوة، فإنهم ثلاثة أصناف:
صنف لم يبلغهم اسم محمد -صلى الله عليه وسلم- أصلًا، فهم معذورون.
وصنف بلغهم اسمه ونعته، وما ظهر عليه من المعجزات، وهم المجاورون لبلاد الإسلام، والمخالطون لهم، وهم الكفار الملحدون.
وصنف ثالث بين الدرجتين، بلغهم اسم محمد -صلى الله عليه وسلم- ولم يبلغهم نعته وصفته، بل سمعوا أيضًا منذ الصبا أن كذابًا ملبسًا اسمه محمد ادعى النبوة، كما سمع صبياننا أن كذابًا يقال له: المقفع، ادعى أن الله بعثه وتحدَّى بالنبوة كاذبًا. فهؤلاء عندي في معنى الصنف الأول، فإن أولئك مع أنهم لم يسمعوا اسمه لم يسمعوا ضد أوصافه، وهؤلاء سمعوا ضد أوصافه، وهذا لا يحرك داعية النظر في الطلب. اهـ.
ولخص كلامه رشيد رضا في (تفسير المنار 1/338) فقال: وعن الإمام الغزالي أن الناس في شأن بعثة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أصناف ثلاثة: من لم يعلم بها بالمرة -أي: كأهل أمريكا لذلك العهد- هؤلاء ناجون حتمًا (أي: إن لم تكن بلغتهم دعوة أخرى صحيحة). ومن بلغته الدعوة على وجهها ولم ينظر في أدلتها إهمالًا أو عنادًا أو استكبارًا، وهؤلاء مؤاخذون حتمًا. ومن بلغته على غير وجهها أو مع فقد شرطها، وهو أن تكون على وجه يحرك داعية النظر، وهؤلاء في معنى الصنف الأول. هذا معنى عبارته المطابقة لأصول الكلام. اهـ.
وحكم الشيخ/ رشيد رضا بالنجاة هنا، بناء على مذهب أستاذه الشيخ/ محمد عبده؛ فإنه ذهب إلى أن أهل الفترة ناجون؛ لأنه لا تكليف إلا بشرع، وهؤلاء لم تبلغهم دعوة. وهذا أحد الأقوال في هذه المسألة، فإنها محل خلاف بين أهل العلم، والراجح عندنا أن أهل الفترة، من كان منهم موحدًا كان من أهل النجاة ومن أهل الجنة، ومن كان منهم مشركًا فإنه يمتحن في عرصات القيامة. وهل من مات على غير الإسلام وقد سمع به، ولكن لم تبلغه الدعوة على وجهها، يكون له حكم أهل الفترة أم لا؟ هذا موضع نظر واجتهاد واختلاف بين أهل العلم أيضًا، وراجع في ما سبق الفتويين: 195365، 39870.
والله أعلم.