السؤال
ماذا سيكون مصير الذين سمعوا عن الإسلام ولا يعرفون عنه شيئاً؟ وماذا سيكون مصير المسيحيين مثل الأم تريسا التي لم تفعل إلا الخير فقط؟ وماذا سيكون مصير الملايين الذين هم اختارو الإلحاد لسبب إجبار الدولة على الإلحاد؟ ما مصير الهنادكة والبوذيين بعد موتهم؟ وما مصير اليهود الذين يؤمنون بإله واحد؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى لا يعذب أحداً حتى تقوم عليه الحجة كما قال الله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15]، ومعنى قيام الحجة هو بلوغ الإسلام إلى الشخص وتمكنه من العلم به، كما قال ابن القيم : فإن حجة الله قامت على العبد بإرسال الرسل وإنزال الكتب وبلوغ ذلك إليه وتمكنه من العلم به سواء علم أو جهل، فكل من تمكن من معرفة ما أمر الله به ونهى عنه فقصر عنه ولم يعرفه، فقد قامت عليه الحجة، والله سبحانه لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه ، انتهى من مدارج السالكين ، ومما تجدر الإشارة إليه أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأحوال والأزمان والأشخاص كما قال ابن القيم : إن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان وفي بقعة وناحية دون أخرى، كما أنها تقوم على شخص دون آخر، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له ، انتهى ، فإذا قامت الحجة الرسالية على الشخص فلم يسلم ثم مات كافراً فهو من أهل النار خالداً مخلداً فيها، كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ{البقرة:161-162}، وقال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]. أما ما عمله هؤلاء الكفار من خير في الدنيا فإنه لا ينفعهم أمام الله يوم القيامة، فكفرهم وشركهم يحبط كل عمل خير عملوه، فإن الشرك هو أعظم الظلم على الاطلاق، قال الله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]. وقال تعالى: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً... [مريم:90-91]. فانظر إلى فظاعة وشناعة قول أهل التثليث والتعدد حتى أن نظام الكون يكاد يختل من إفكهم، فما عسى أن تكون أعمالهم الخيرة في الدنيا وهم يؤذون الله خالقهم وبارئهم، وما عسى أن تكون أعمالهم الخيرة في الدنيا وهم يظلمون أعظم الحقائق حقيقة التوحيد، ويعتقدون أشنع العقائد التثليث وتعدد الآلهة، وأما أولئك اليهود الذين يؤمنون بإله واحد كما ذكرت، فإنهم وإن لم يقولوا بالتعدد إلا أنهم وصفوا الله بما يتنزه عنه ويتقدس، فوصفوه بالفقر والتعب والنسيان كما قال الله عز وجل راداً عليهم: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [قّ:38]. وقال تعالى: الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181]. وقال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا [المائدة: 64]، فبسبب هذا الكفر لن تنفع الكافرين حسناتهم يوم القيامة، كما قال الله عز وجل: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23]. قال ابن كثير: قوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ هذا يوم القيامة حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من الخير والشر، فأخبر أنه لا يحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال التي ظنوا أنها منجاة لهم شيء، وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي، إما الإخلاص فيها وإما المتابعة لشرع الله، فكل عمل لا يكون خالصاً وعلى الشريعة المرضية فهو باطل، فأعمال الكفار لا تخلو من واحد من هذين، وقد تجمعهما معاً فتكون أبعد من القبول حينئذ ، انته،. وقال الشوكاني: في قوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ... :وذلك أنهم كانوا يعملون أعمالاً لها صورة الخير من صلة الرحم وإغاثة الملهوف وإطعام الطعام وأمثالها، ولم يمنع من الإثابة عليها إلا الكفر الذي هم عليه ، انتهى، ومثل الآية المتقدمة قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ [إبراهيم:18]، وقوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً [النور:39]، هذا في الجزاء الأخروي لأن شرط المثوبة هناك الإسلام، وأما في الدنيا فإن الله عز وجل يعطي الكافر جزاء ما عمله من خير فيها قبل موته، فإن الله عز وجل لا يظلم مثقال ذرة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها. رواه مسلم ، وبهذا يتبين لك أن الكافر لو عمل خيراً يريد به وجه الله، فإنه لا يموت حتى يعطى ثوابه، فإذا جاء إلى الآخرة لم تكن له حسنات يجزى بها، وأما سؤالك عن مصير الذين سمعوا بالإسلام ولم يعرفوا عنه شيئاً؟ فجوابه: أن من مات على غير الإسلام ولم تكن بلغته الدعوة على وجهها فإن مآله في الآخرة موضع نظر بين أهل العلم، وقد ذكر أقوالهم الدكتور الصاوي في كتابه الثوابت والمتغيرات، فقال: من مات على غير الإسلام والتوحيد ولم تكن قد بلغته الدعوة على وجهها فإن مآله في الآخرة موضع نظر بين أهل العلم فمنهم من جزم بعدم عذره وأنه معذب لا محالة، وهم المعتزلة وكثير من الحنفية انتهى ، ثم قال : ومنهم من جزم بعذره وأنه لا يعذب أحد إلا إذا قامت عليه الحجة الرسالية، قال تعالى : وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ، يقول ابن القيم-رحمه الله- أن العذاب يستحق بسببين، أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم [إرادة العلم] بها وبموجبها. الثانى: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها. فالأول كفر إعراض والثانى كفر عناد. وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذى نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل ،انتهى ، ثم قال : وهؤلاء - أي الذين قالوا بعذرهم حتى تقوم عليهم الحجة - فريقان ، منهم من أطلق القول بعذرهم وأن الرحمة تشملهم ابتداء، قال الغزالي: بل أقول: إن أكثر نصارى الروم والترك في هذا الزمان تشملهم الرحمة، إن شاء الله تعالى، أعني الذين هم في أقاصي الروم والترك، ولم تبلغهم الدعوة، فإنهم ثلاثة أصناف: الصنف الأول: لم يبلغهم اسم محمد صلى الله عليه وسلم أصلاً، فهم معذورون، الصنف الثاني: بلغهم اسمه ونعته، وما ظهر عليه من المعجزات، وهم المجاورون لبلاد الإسلام، والمخالطون لهم، وهم الكفار الملحدون، الصنف الثالث: هم بين الدرجتين، بلغهم اسم محمد صلى الله عليه وسلم ولم يبلغهم نعته وصفته، بل سمعوا أيضاً منذ الصبا أن كذابا اسمه محمد -نعوذ من ذلك بالله تعالى- ادعى النبوة، كما سمع صبياننا أن كذاباً يقال له: المقفع بعثه الله تحدياً بالنبوة، كاذباً، فهؤلاء عندي في أوصافه في معنى الصنف الأول، فإنهم مع أنهم لم يسمعوا اسمه، سمعوا ضد أوصافه، وهذا لا يحرك النظر في الطلب، ومنهم من قال يمتحنون في عرصات يوم القيامة: وقد صحت في هذا القول بعض النصوص، وذهب إلى القول به عدد كبير من أهل العلم، منهم ابن تيمية، وابن القيم، وابن حجر، وابن حزم، وابن كثير، والبيهقي ونسبه أبو الحسن الأشعري إلى أهل السنة والجماعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أربعة يوم القيامة يدلون بحجة، رجل أصم لا يسمع، ورجل أحمق، ورجل هرم، ومن مات في الفطرة، فأما الأصم فيقول: يا رب، جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، وأما الأحمق فيقول: جاء الإسلام والصبيان يقذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقول: لقد جاء الإسلام وما أعقل، وأما الذي مات على الفطرة فيقول: يا رب، ما أتاني رسولك، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم رسولاً أن ادخلوا النار، قال: فو الذي نفسي بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً، قال ابن كثير رحمه الله: بعد أن ساق النصوص التي تشير إلى امتحان هؤلاء في عرصات يوم القيامة، وهذا القول يجمع بين الأدلة كلها، وقد صرحت به الأحاديث المتقدمة المتعاضدة الشاهد بعضها لبعض، وهذا القول هو الذي حكاه الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري عن أهل السنة والجماعة، وهو الذي نصره الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب الاعتقاد، وكذلك غيره من محققي العلماء والحفاظ والنقاد ، انتهى. والله أعلم.