السؤال
أختي متزوجة وتعيش في السعودية بعيدا عنا، تزوجت شابا قد أجبرت أبي على الموافقة عليه، وهي متعلمة وهو لم يأخذ أي شهادة، وقد حاول جاهدا أن يتزوجها، وبعد الزواج أصبح سيئ المعاملة، ومن أول أسبوع ضربها لسبب تافه، والآن أصبحت لديها طفلة وهي حامل، ومع كل يوم يزيد في سوء معاملتها، علما بأنه يأتي أيام قليلة جدا يكون فيها حسن الخلق، وهي لا تستطيع تركه، لأنها أجبرت الجميع على أن تتزوج منه وتخشى من كلام الناس إذا أصبحت مطلقة، ومنذ فترة أصبحت ترى في منامها أنها مسحورة، وبدأت تقرأ سورة البقرة لفترة طويلة، فلم يتغير شيء، وتكررت منامات تقول لها أنت مسحورة وزوجك مسحور، ولكنني لم أصدق أن سبب تعامله السيئ هو السحر، بل ربما كان غضب أبي عليها هو السبب ولا تعرف ما تفعل في معاملة زوجها السيئة، وهي في بلاد الغربة، فهل كان السبب سحرا يجب فكه؟. انصحونا بطريقة للتعامل مع هذا الزوج السيئ.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله لنا ولكم العافية، وليس عندنا ما يجزم به في كون السحر سببا لما ذكرت، ولكنه تجوز الرقية الشرعية للشخص، سواء كان مصابا أم لا، وأما عن النصيحة: فننصح الأخت الكريمة بتقوى الله عز وجل، وأن تصب كل اهتمامها في اكتساب رضى الله تبارك وتعالى والحرص على طاعته، وأن تخالق زوجها بالخلق الحسن، وتعفو وتحلم عنه، وبهذا يحبها الله تعالى ويحببها إلى زوجها، فإن الله عز وجل يقول: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.
وأخرج مسلم وغيره من حديث أبي هريرة: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليه ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
وفي صحيح البخاري: إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض.
وفي رواية الترمذي: فذلك قول الله تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا {مريم:96}.
ويقول الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره: يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات، وهي الأعمال التي ترضي الله، عز وجل، لمتابعتها الشريعة المحمدية، يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين مودة، وهذا أمر لا بد منه ولا محيد عنه، وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير وجه.... فذكر الأحاديث التي سيأتي ذكرها ثم قال: قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: سيجعل لهم الرحمن ودا ـ قال: حبا ـ وقال مجاهد عنه: سيجعل لهم الرحمن ودا ـ قال: محبة في الناس في الدنيا، وقال سعيد بن جبير عنه: يحبهم ويحببهم يعني: إلى خلقه المؤمنين، كما قال مجاهد أيضا، والضحاك وغيرهم، وقال العوفي، عن ابن عباس أيضا: الود من المسلمين في الدنيا، والرزق الحسن، واللسان الصادق، وقال قتادة: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ـ إي والله في قلوب أهل الإيمان، ذكر لنا أن هرم بن حيان كان يقول: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم، وقال قتادة: وكان عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ يقول: ما من عبد يعمل خيرا أو شرا إلا كساه الله عز وجل رداء عمله. انتهى.
وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: هذا من نعمه على عباده، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح: وعدهم أنه يجعل لهم ودا، أي: محبة وودادا في قلوب أوليائه، وأهل السماء والأرض، وإذا كان لهم في القلوب ود تيسر لهم كثير من أمورهم، وحصل لهم من الخيرات والدعوات والإرشاد والقبول والإمامة ما حصل، ولهذا ورد في الحديث الصحيح: إن الله إذا أحب عبدا، نادى جبريل: إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض: إن الله إذا أحب عبدا نادى جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض. متفق عليه، وإنما جعل الله لهم ودا لأنهم ودوه، فوددهم إلى أوليائه وأحبابه. انتهى.
والله أعلم.