السؤال
طلقني زوجي خمس مرات، وفي كل مرة كان يذهب إلى دار الإفتاء، فيقولون له: إن الطلاق باطل، فأول طلقة كان قد حدد أنني لو طلبت الطلاق فسيطلقني، وبمجرد أن طلبت الطلاق طلقني، والطلقة الثانية كانت في الهاتف، وتكررت مرتين، وفي المرتين قالوا: إنها لا تحسب، وكانت بدون مقدمات، حيث اشتد بيننا الكلام، فقلت له: طلقني، فقال: أنت طالق، والثالثة شتمني، فقلت له: طلقني، فقال: أنت طالق، والرابعة منذ يومين كنت غاضبة جدًّا... وكان بارد الأعصاب، فقلت له: ننفصل في المنزل، أو تطلقني، فقال: لا، ننفصل، فقلت له: طلقني، فقال: أنت طالق، ولما ذهب إلى دار الإفتاء، قالوا له: لا بد من العزم على الطلاق بالنية، ولا تقع إلا الرابعة، فكم طلقة وقعت؟ والوزر على من يقع لو مشينا على فتوى دار الإفتاء بعدم وقوع الطلاق، وهل يجب علينا أن نتبع دار الإفتاء، أو الشيوخ الآخرين؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان الحال كما ذكرت، فإنّ هذه التطليقات نافذة، ولم يظهر لنا ما يمنع نفوذها، ولا نعرف مستند من أفتوكم بعدم نفوذ هذه الطلقات.
وعليه، فالذي نراه أنّك بنت من زوجك بينونة كبرى، فلا يملك رجعتك إلا إذا تزوجت زوجًا غيره ـ زواج رغبة، لا زواج تحليل ـ ثم يطلقك الزوج الجديد بعد الدخول، أو يموت عنك، وتنقضي عدتك منه، واعلمي أنّ الواجب على العامي أن يسأل من يثق بعلمه، ودينه، ويعمل بما يطمئن إلى صوابه، وموافقته الحق.
أما إذا لم يطمئن قلب المستفتي لقول المفتي، فلا يسعه العمل به، ولو كان المفتي عالمًا مجتهًدا، قال ابن القيم -رحمه الله-: لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِمُجَرَّدِ فَتْوَى الْمُفْتِي إذَا لَمْ تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ، وَحَاكَ فِي صَدْرِهِ مِنْ قَبُولِهِ، وَتَرَدَّدَ فِيهَا؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَفْتِ نَفْسَكَ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ ـ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَفْتِيَ نَفْسَهُ أَوَّلًا، وَلَا تُخَلِّصُهُ فَتْوَى الْمُفْتِي مِنْ اللَّهِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِ مَا أَفْتَاهُ، كَمَا لَا يَنْفَعُهُ قَضَاءُ الْقَاضِي لَهُ بِذَلِكَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذُهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ نَارٍ ـ وَالْمُفْتِي، وَالْقَاضِي فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَلَا يَظُنُّ الْمُسْتَفْتِي أَنَّ مُجَرَّدَ فَتْوَى الْفَقِيهِ تُبِيحُ لَهُ مَا سَأَلَ عَنْهُ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِهِ فِي الْبَاطِنِ، سَوَاءٌ تَرَدَّدَ أَوْ حَاكَ فِي صَدْرِهِ؛ لِعِلْمِهِ بِالْحَالِ فِي الْبَاطِنِ، أَوْ لِشَكِّهِ فِيهِ، أَوْ لِجَهْلِهِ بِهِ، أَوْ لِعِلْمِهِ جَهْلَ الْمُفْتِي، أَوْ مُحَابَاتِهِ فِي فَتْوَاهُ، أَوْ عَدَمَ تَقْيِيدِهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَوْ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِالْفَتْوَى بِالْحِيَلِ، وَالرُّخَصِ الْمُخَالِفَةِ لِلسُّنَّةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَانِعَةِ مِنْ الثِّقَةِ بِفَتْوَاهُ، وَسُكُونِ النَّفْسِ إلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ عَدَمُ الثِّقَةِ، وَالطُّمَأْنِينَةِ لِأَجْلِ الْمُفْتِي يَسْأَلُ ثَانِيًا، وَثَالِثًا حَتَّى تَحْصُلَ لَهُ الطُّمَأْنِينَةُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلَا يُكَلِّفْ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، وَالْوَاجِبُ تَقْوَى اللَّهِ بِحَسَبِ الِاسْتِطَاعَةِ.
والله أعلم.