السؤال
هل توجد نصوص شرعية من القرآن أو السنة تشير إلى أثر الخلافات الزوجية أو الطلاق على الأبناء؟ حيث إني لم أجد أي دليل شرعي حتى الآن.سؤالي ليس دعوة لتشجيع الطلاق أو الاستمرار في الخلافات، لكن ماذا لو كان أحد الوالدين غير مكترث للصحة النفسية والعقلية للأبناء؟ فلا يحاول تجنب الخلافات، بل يفتعلها، سواء بقصد أو بغير قصد.ماذا لو كان أحد الوالدين ليس لديه مانع من الطلاق طالما يرى فيه مصلحة له دون أي التفات للضرر الذي قد يصيب الأبناء؟أتحدث هنا عن زوج أو زوجة غير سوي، ويرفض العلاج بشتى أشكاله، ويبقى سؤالي هو السؤال الرئيسي: أين الأدلة الشرعية حول أثر الخلافات أو الطلاق على الأبناء؟ أم الآية "وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته" يدخل فيها تكفل رب العالمين برعاية الأبناء نفسيًا وعقليًا ودينيا؟لم أقرأ في كتب التاريخ عمّن صبر على سوء خلق زوجته لأجل الأبناء، بل أشعر عند القراءة التاريخية بأن الزواج الثاني أو الطلاق كانا أمرين سهلين، رغم التوجيه القرآني الواضح للتأني في مسألة الطلاق.وإذا كان أحد الزوجين مختلاً في علاقته مع كل أفراد البيت، فهل لا يزال الإبقاء على العلاقة -رغم الخلافات والمشاجرات- أفضل للأبناء من الطلاق؟ هل يكفي الأبناء أن يكون أحد الزوجين صالحًا، ويخشى الله فيهم، في حين أن الآخر معرض إعراضًا شديدًا عن الله؟شكرا لكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم نصوصًا من الكتاب أو السنة مصرحة بأثر الطلاق أو الخلافات الزوجية على الأولاد.
لكن الأثر السيء للخلافات الزوجية والطلاق على الأولاد أمر محسوس مشاهد، لا ينكره إلا مكابر، قال ابن تيمية كما في «الفتاوى الكبرى»: وحصول الفرقة المحرمة بين الزوجين، قد يكون فيها فساد لحاليهما، وربما تعدى الفساد إلى أولادهما أو أقاربهما، فإن الطلاق هلاك المرأة، لا سيما إن كان ممن طالت صحبتها، وحمدت عشرتها، وقويت مودتها، وبينهما أطفال يضيعون بالطلاق. اهـ.
وعلى العموم: فإن الأصل في الطلاق في الشرع هو الحظر والمنع عند طائفة من أهل العلم، لما فيه من المفاسد الكثيرة، قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: "الأصل في الطلاق الحظر" وإنما أبيح منه قدر الحاجة، كما ثبت في الصحيح عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن إبليس ينصب عرشه على البحر، ويبعث سراياه: فأقربهم إليه منزلة، أعظمهم فتنة، فيأتيه الشيطان فيقول: ما زلت به حتى فعل كذا؛ حتى يأتيه الشيطان فيقول: ما زلت به حتى فرقت بينه وبين امرأته؛ فيدنيه منه؛ ويقول: أنت أنت ويلتزمه، وقد قال تعالى في ذم السحر: {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه}. وفي السنن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن المختلعات والمنتزعات هن المنافقات.
وفي السنن أيضًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: {أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس؛ فحرام عليها رائحة الجنة. اهـ.
وفي حاشية ابن عابدين: الطلاق الأصل فيه الحظر، بمعنى: أنه محظور، إلا لعارض يبيحه، وهو معنى قولهم: الأصل فيه الحظر، والإباحة للحاجة إلى الخلاص. فإذا كان بلا سبب أصلًا لم يكن فيه حاجة إلى الخلاص، بل يكون حمقًا، وسفاهة رأي، ومجرد كفران النعمة، وإخلاص الإيذاء بها، وبأهلها، وأولادها. ولهذا قالوا: إن سببه الحاجة إلى الخلاص عند تباين الأخلاق، وعروض البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله تعالى ... فحيث تجرد عن الحاجة المبيحة له شرعًا، يبقى على أصله من الحظر؛ ولهذا قال تعالى: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا} [النساء:34]، أي: لا تطلبوا الفراق. وعليه حديث «أبغض الحلال إلى الله الطلاق». اهـ.
لكن تأثر الأبناء بالطلاق لا يعني منع الطلاق من أجل الأبناء، فالنصوص المبينة لمشروعية الطلاق لم تستثن حالة وجود أولاد بين الزوجين، وكذلك فالفقهاء حين تكلموا عن أحكام الطلاق، وأنه قد يستحب أو يجب، لم يستثنوا من ذلك حالة وجود أولاد بين الزوجين! وانظر الفتويين: 93203، 482329.
بل الطلاق قد يكون خيرًا حتى للأولاد، مثل ما إذا لم يستقم الحال بين الزوجين، واستحكم الشقاق، وكان التلاسن بينهما يحصل أمام الأولاد، فإن أثر هذا على الأبناء قد يكون أعظم من أثر الطلاق، ولو بقيا على غير استقامة صارت عيشتهما نكداً، وقد قال الله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:130].
وأما قولك: (الآية: وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته. يدخل فيها تكفل رب العالمين برعاية الأبناء نفسيًا وعقليا ودينيا؟)
فلم نقف على ذكر لهذا المعنى في كلام العلماء، والمراد بالآية: إغناء كل واحد من الزوجين عن صاحبه.
قال الماوردي في تفسيره: {يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِن سَعَتِهِ} يَحْتَمِلُ ثَلاثَةَ أوْجُهٍ: أحَدُها: يُغْنِي اللَّهُ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما بِالقَناعَةِ والصَّبْرِ عَنْ صاحِبِهِ، ومَعْنى قَوْلِهِ: {مِن سَعَتِهِ} أيْ مِن رَحْمَتِهِ، لِأنَّهُ واسِعُ الرَّحْمَةِ.
والثّانِي: يُغْنِي اللَّهُ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما عَنْ صاحِبِهِ بِمَن هو خَيْرٌ مِنهُ، ومَعْنى قَوْلِهِ: {مِن سَعَتِهِ} أيْ مِن قُدْرَتِهِ لِأنَّهُ واسِعُ القُدْرَةِ.
والثّالِثُ: يُغْنِي اللَّهُ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما بِمالٍ يَكُونُ أنْفَعَ لَهُ مِن صاحِبِهِ. وَمَعْنى قَوْلِهِ: {مِن سَعَتِهِ} أيْ مِن غِناهُ لِأنَّهُ واسِعُ الغِنى. اهـ.
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وفِي قَوْلِهِ {يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِن سَعَتِهِ} إشارَةٌ إلى أنَّ الفِراقَ قَدْ يَكُونُ خَيْرًا لَهُما، لِأنَّ الفِراقَ خَيْرٌ مِن سُوءِ المُعاشَرَةِ. ومَعْنى إغْناءِ اللَّهِ كُلًّا: إغْناؤُهُ عَنِ الآخَرِ. اهـ.
والله أعلم.