السؤال
ما هي أسباب ظهور القراءات القرآنية؟ وما هو موقف الفقهاء منها؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعبارة: ظهور القراءات، غير دقيقة، فإنها قد توهِم أنها ظهرت في وقت بعد نزول القرآن، وليس الأمر كذلك، بل القرآن كان يتنزل بها، فالقراءات من عند الله، وانظري الفتوى رقم: 251764.
وأما الأسباب أو الحكم: فيمكنك مطالعة مقال في قسم المقالات من موقعنا بعنوان: فوائد تعدد القراءات القرآنية، ونجمل لك بعض هذه الفوائد، فمنها:
1ـ التخفيف على هذه الأمة والتيسير عليها، فبعض الكلمات، تنطق بالمد، والقصر، وبعضها تجوز فيه الإمالة، ونحو ذلك مما يُسهل على الناس القراءة بما يناسبهم.
2ـ إظهار نهاية البلاغة، وكمال الإعجاز، وغاية الاختصار، وجمال الإيجاز، وبيان ذلك أن كل قراءة بمنزلة الآية، وتنوع اللفظ بكلمة واحدة تقوم مقام عدة آيات، فلو كان كل لفظٍ آية لكان في ذلك تطويلاً وخروجاً عن سَنَن البلاغة العربية ونهجها.
3ـ تعدد القراءات القرآنية كان من الأدلة التي اعتمدها العلماء في بيان صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به، ووجه ذلك أنه على الرغم من تعدد القراءات وكثرتها، لم يتطرق إلى القرآن أي تضاد أو تناقض أو تخالف، بل كله يصدق بعضه بعضاً، ويؤيد أوله آخره، وآخره أوله، تصديقاً لقوله تعالى: أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا {النساء:82}.
4ـ تعدد القراءات فيه دلالة على إعجاز هذا الكتاب، وأنه من عند رب العالمين، وبيانه أن كل قراءة من القراءات تحمل وجهاً من وجوه الإعجاز ليس في غيرها، وبعبارة أخرى، إن القرآن معجز إذا قُرئ بهذه القراءة مثلاً، ومعجز كذلك إذا قُرئ بقراءة ثانية وثالثة وهكذا، ومن هنا تعددت معجزاته بتعدد قراءاته.
5ـ إعظام أجور هذه الأمة، من جهة أنهم يبذلون أقصى جهدهم في تتبع معاني ألفاظه، واستنباط حِكَمِهِ وأحكامه، فضلاً على ما في تلاوته ـ بقراءاته المختلفة ـ من مزيد الثواب وجزيل الفضل، تحقيقاً وتصديقاً لما أخبر به الصادق المصدوق، بقوله: من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
6ـ ظهور سر الله تعالى في توليه حفظ كتابه العزيز، وصيانة كلامه المنـزَّل، بأوفى بيان وأوضح بلاغ، يرشد لهذا المعنى، أن الله سبحانه لم يُخلِ عصرا من العصور من إمام حجة قائم على نقل كتابه وإيصاله إلى عباده، مع إتقان حروفه ورواياته، وبيان وجوهه وقراءاته، وفي ذلك تصديق لقوله تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون {الحجر:9}.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 21795.
وأما موقف الفقهاء: فهم يجوزون القراءة بكل قراءة ثابتة، بل يجوزون الجمع بين القراءتين، كما في الفتويين رقم: 61325، ورقم: 150261.
وفي الفتاوي الكبرى لابن تيمية رحمه الله: سئل عن رجل يصلي بقوم وهو يقرأ بقراءة أبي عمرو، فهل إذا قرأ لورش أو لنافع باختلاف الروايات مع حمله قراءته لأبي عمرو يأثم أو تنقص صلاته أو ترد؟ فأجاب: يجوز أن يقرأ بعض القرآن بحرف أبي عمرو وبعضه بحرف نافع، وسواء كان ذلك في ركعة أو ركعتين، وسواء كان خارج الصلاة أو داخلها، والله أعلم. انتهى.
وأما إن كان مقصودك، لماذا اختار كل قارئ قراءته؟ أو لماذا تميز عن غيره؟ فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الصحابة على أوجه شتى، ففي الصحيحين عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف.
وفي الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، فكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه، فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسله، اقرأ، فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت، ثم قال لي: اقرأ، فقرأت، فقال: هكذا أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه.
ثم إن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أرسل الصحابة إلى الأمصار يقرؤون الناس القرآن، وتلقف الناس عن قرائهم فأخذ كل منهم عمن أدركه من الصحابة، ثم من أخذ عن الصحابة أخذ عنه من بعده وهكذا، فاشتهر جماعة من العلماء بإتقان القراءة، يجتمع عليهم الطلبة للقراءة، وكلُ يقرأ بما سمعه، فقراء الشام، وعلى رأسهم شيخهم ابن عامر ـ أحد السبعة ـ فمن جاء بعده أخذوا بقراءة عثمان، وشاع في أهل المدينة قراءة نافع، وممن أخذ عن نافع ورش المصري وحمل قراءته إلى مصر، وهكذا، إلى أن عرفوا بالإمامة، وانتهى هذا العلم إلى القراء المعروفين، حتى نُسِبت القراءة إليهم.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 110297.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني