السؤال
هل يمكن أن يرتقي الإنسان في الجنة إلى مراتب أعلى من مرتبته، مع مرور الزمن؟
فكما ورد أن الإنسان يدخل إلى مرتبة معينة برحمة الله، وبعض عمله الصالح، وحفظه للقرآن، ويرضيه الله بها، فلا يحسد الذين هم أعلى منه درجة، ولا يرى ما عندهم من درجات ونعيم، لكننا نعلم أن هنالك درجات أعلى منا كالأنبياء، والشهداء، والصديقين، لكن عملنا في الدنيا لا يوصلنا إلى درجاتهم العالية.
فهل يمكن أن نرتقي إلى درجاتهم بطريقة ما، مع مرور الزمن في الجنة؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نطلع على ما يدل على رفعة درجات المؤمنين بمرور الزمن، ولكنه ثبت أن من مات على الإيمان, وكانت ذريته، وأبوه، وأمه، وزوجه من أهل الإيمان أيضًا، فقد وعده الله عز وجل بأن يجمعهم معه في الجنة، وسيلحق أدناهم بأعلاهم درجة في الجنة, كما قال الله سبحانه: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21], وقال في الآية الأخرى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ {الزخرف:70}, وقال في دعاء الملائكة للمؤمنين: رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {غافر:8} وقال تعالى: أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ {الرعد:22-23}.
قال ابن كثير في تفسيره: أي يجمع بينهم، وبين أحبابهم فيها من الآباء، والأهلين، والأبناء ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين لتقر أعينهم بهم، حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى، امتنانًا من الله، وإحسانًا من غير تنقيص للأعلى عن درجته، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ. انتهى.
وروى البيهقي في سننه عن عمرو بن مرة قال: سألت سعيد بن جبير عن هذه الآية: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ {الطور:21}،قال: قال ابن عباس - رضي الله عنه -: المؤمن يلحق به ذريته ليقر الله بهم عينه، وإن كانوا دونه من العمل. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وروى الحاكم في مستدركه، عن ابن عباس في قوله: أأَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ {الطور:21}، قال: إن الله يرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة, وإن كانوا دونه في العمل. وسكت عنه الذهبي.
وثبت كذلك في أنواع الشفاعة: الشفاعة في رفع درجات أهل الجنة.
قال في تيسير العزيز الحميد: واعلم أن شفاعته صلى الله عليه وسلم في القيامة، ستة أنواع كما ذكره ابن القيم.
الأول: الشفاعة الكبرى التي يتأخر عنها أولو العزم عليهم السلام، حتى ننتهي إليه، فيقول: أنا لها، وذلك حين يرغب الخلائق إلى الأنبياء ليشفعوا لهم إلى ربهم من مقامهم في الموقف.
الثاني: شفاعته لأهل الجنة في دخولها.
الثالث: شفاعته لقوم من العصاة من أمته قد استوجبوا النار، فيشفع لهم أن لا يدخلوها.
الرابع: شفاعته لأهل التوحيد الذين دخلوا النار بذنوبهم.
الخامس: شفاعته لقوم من أهل الجنة في زيادة ثوابهم، ورفع درجاتهم.
السادس: شفاعته في بعض الكفار من أهل النار حتى يخفف عذابه، وهذه خاصة بأبي طالب وحده. اهـ باختصار.
والله أعلم.