السؤال
في موضوع قراءة الأبراج فقط، تقول دار الإفتاء المصرية إنه مكروه، فهل هناك من قال بذلك غيرهم؟ أو بمعنى أصح أرجو توضيح مذاهب العلماء في هذا مع ذكر أسمائهم.
في موضوع قراءة الأبراج فقط، تقول دار الإفتاء المصرية إنه مكروه، فهل هناك من قال بذلك غيرهم؟ أو بمعنى أصح أرجو توضيح مذاهب العلماء في هذا مع ذكر أسمائهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما قراءة الأبراج دون اعتقاد فيها فهو كسؤال الكهان دون تصديق، فمن أهل العلم من ذهب إلى كراهيته، وبهذا جاءت فتوى دار الإفتاء المصرية، ولعلك تقصد الفتوى رقم: 16019، 17، مارس:2011، ونصها: الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فنسأل الله العلي القدير أن يبعد عنك كل هم وأن يملأ حياتك بالفرح والسرور، واعلم أن علم الأبراج أو علم النجوم على نوعين:
الأول: علمٌ يباح مطالعته وتعلمه.
والثاني: ممنوع، والنظر فيه مكروه.
فأما الأول الذي يباح مطالعته والنظر فيه كما قال الإمام المحدث الخطيب البغدادي: فهو العلم بأسماء الكواكب، ومناظرها ومطالعها، ومساقطها، وسيرها، والاهتداء بها، وانتقال العرب عن مياهها لأوقاتها، وتخيرهم الأزمان لنتاج مواشيها وضرابهم الفحول، ومعرفتهم بالأمطار على اختلافها، واستدلالهم على محمودها ومذمومها، والتوصل إلى جهة القبلة بالنجوم، ومعرفة مواقيت الصلاة، وساعات الليل بظهورها وأفولها، وقد جاء كثير من ذلك في كتاب الله عز وجل، وفي الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أخيار الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من العلماء الخالفين.
وأما النوع الثاني الذي لا يجوز تعلمه والعمل به: فهو ما يدعيه المنجمون من الأحكام، وما يترتب على ذلك من استشراف الغيب والقول بالكهانة، قال الإمام الخطيب البغدادي: وهذا علم لا ينفع الله به بوجه من الوجوه، ولا يستدل به على أمر من الأمور.
فإن كان المقصود بقراءة الأبراج النوع الثاني فلا يجوز قراءتها مع الاعتقاد فيها، أما مجرد القراءة للتلهي فهو مكروه لما فيه من إهدار الوقت في مطالعته والتسلي بالنظر فيه، لأنَّ هذه الأبراج إنما تتحدث عن أمور غيبية ستحصل لفلان وعلان والكلام فيها كلام عام لا حقيقة له، وإنَّ من مقتضيات الإيمان أن يعتقد المسلم أنه لا يعلم الغيب إلا الله، والتسلية بمثل هذا لا تجوز، وقد قال الله تعالى في وصف المؤمنين: والذين هم عن اللغو معرضون {المؤمنون:3} أي عن الباطل... وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال. والله تعالى أعلم.
وهناك فتوى أخرى برقم: 3671 11، فبراير-2009، وفيها النص على تحريمه على العوام، ومن قد يتشوش بذلك:
وفيها: والمسلم الذي يقتني كتب الديانات الأخرى أو ينظر في كتب أهل التنجيم أو العرافين أو الكهنة فلا يخلو من ثلاثة أحوال:
أولا: أن يكون متخصصا يريد الاطلاع عليها، وتفنيد ما فيها من الباطل، فهذا فرض كفاية، فمن قدر على القيام بذلك قام به وجزاه الله خيرا، كما كان علماء السلف، والمتمرسين من أهل العلم.
ثانيا: أن يكون لمجرد الاطلاع، فهذا يكره لصاحبه إذا لم يخش عليه من ذلك تشويش على عقيدته، فإذا خشي ذلك حرم عليه اقتناؤها، والنظر فيها سدا للذريعة، وخشية من وقوع الفساد، وفي المسند والبزار عن جابر ـ رضي الله عنه ـ أن عمر أخذ صحيفة من يهودي، وجاء بها إلى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وبدأ يقرأ منها، فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رجل من الأنصار: ويحك يا ابن الخطاب! أما تنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، والله لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي ـ وقال ابن حجر: إن النهي محمول على الكراهة والتنزيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ـ وغضبه على عمر كغضبه على معاذ حين طول بالناس في الصلاة، وذلك لمنزلتهما، وعلو مقامهما في الدين.
ثالثا: عامة المسلمين الذين لا ثقافة لهم، فهؤلاء لا يجوز لهم اقتناء كتب الديانات أو النظر في كتب العرافين وأهل التنجيم لعدم الفائدة لهم، وللخوف من التشويش عليهم، وأما من ينظر في الأبراج معتقدا فيها التأثير، وينظر في الطالع لمعرفة الخير والشر، والسعد والنحس، ويتنبأ بما يحصل في المستقبل، فإن هذا نوع من السحر المحرم، كما روى أحمد وأبو داود بسندٍ صحيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنْ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ ـ وقال صاحب مجمع الأنهر من الحنفية: وَيَكْفُرُ عِنْدَ الْبَعْضِ بِقَوْلِهِ فَلَا يَمُوتُ بِهَذَا الْمَرَضِ وَبِقَوْلِهِ عِنْدَ صِيَاحِ الطَّيْرِ يَمُوتُ أَحَدٌ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُهُ، وَبِقَوْلِهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ هَالَةِ الْقَمَرِ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ الْقَمَرِ يَكُونُ مَطَرًا مُدَّعِيًا عَلَى الْغَيْبِ بِلَا عَلَامَةٍ، وَبِرُجُوعِهِ مِنْ سَفَرٍ عِنْدَ سَمَاعِهِ صِيَاحَ الْعَقْعَقِ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَبِإِتْيَانِ الْكَاهِنِ وَتَصْدِيقِهِ وَبِقَوْلِهِ أَنَا أَعْلَمُ الْمَسْرُوقَاتِ، وَبِقَوْلِهِ أَنَا أُخْبِرُ عَنْ أَخْبَارِ الْجِنِّ إيَّايَ، فَإِنْ قَالَ هَذَا فَهُوَ سَاحِرٌ كَاهِنٌ، وَمَنْ صَدَّقَهُ فَقَدْ كَفَرَ وَبِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْمَلَكَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ.
ويتقرر مما سبق أنه لا يجوز المطالعة في الأبراج لمعرفة ما يحدث مستقبلاً، حيث إن الغيب لله، قال تعالى: عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً {الجن: 26} وقال تعالى: قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله {النمل: 65} حتى وإن ادعى بعضهم أن هذا من علم النفس، أو أن له قواعد علمية معروفة، كما قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا يُغْتَرُّ بِجَهَالَةِ مَنْ يَتَعَاطَى الرَّمْلَ وَإِنْ نُسِبَ إلَى عِلْمٍ. اهـ.
وقريب من هذا التفصيل فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فقد قال: وأما سؤال الجن وسؤال من يسألهم: فهذا إن كان على وجه التصديق لهم في كل ما يخبرون به والتعظيم للمسئول، فهو حرام، كما ثبت في صحيح مسلم وغيره عن معاوية بن الحكم السلمي قال: قلت: يا رسول الله؛ أمورا كنا نصنعها في الجاهلية كنا نأتي الكهان، قال: فلا تأتوا الكهان ـ وفي صحيح مسلم أيضا عن عبيد الله عن نافع، عن صفية، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما ـ وأما إن كان يسأل المسئول ليمتحن حاله ويختبر باطن أمره وعنده ما يميز به صدقه من كذبه، فهذا جائز، كما ثبت في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ابن صياد فقال: ما يأتيك؟ فقال: يأتيني صادق وكاذب، قال: ما ترى؟ قال: أرى عرشا على الماء، قال: فإني قد خبأت لك خبيئا، قال: الدخ الدخ، قال: اخسأ فلن تعدو قدرك، فإنما أنت من إخوان الكهان ـ وكذلك إذا كان يسمع ما يقولونه ويخبرون به عن الجن، كما يسمع المسلمون ما يقول الكفار والفجار ليعرفوا ما عندهم فيعتبروا به، وكما يسمع خبر الفاسق ويتبين ويتثبت، فلا يجزم بصدقه ولا كذبه إلا ببينة، كما قال تعالى: إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ـ وقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة: أن أهل الكتاب كانوا يقرءون التوراة ويفسرونها بالعربية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه، وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه، وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ـ فقد جاز للمسلمين سماع ما يقولونه ولم يصدقوه ولم يكذبوه، وقد روي عن أبي موسى الأشعري أنه أبطأ عليه خبر عمر وكان هناك امرأة لها قرين من الجن فسأله عنه فأخبره أنه ترك عمر يسم إبل الصدقة، وفي خبر آخر أن عمر أرسل جيشا فقدم شخص إلى المدينة فأخبر أنهم انتصروا على عدوهم وشاع الخبر فسأل عمر عن ذلك فذكر له، فقال: هذا أبو الهيثم بريد المسلمين من الجن، وسيأتي بريد الإنس بعد ذلك فجاء بعد ذلك بعدة أيام.
وقال القاري في المرقاة: فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ أَيْ: عَلَى وَجْهِ التَّصْدِيقِ بِخِلَافِ مَنْ سَأَلَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِهْزَاءِ أَوِ التَّكْذِيبِ، وَأُطْلِقَ مُبَالِغَةً فِي التَّنْفِيرِ عَنْهُ، وَالْجُمْلَةُ احْتِرَازٌ عَمَّنْ أَتَاهُ لِحَاجَةٍ أُخْرَى.
وسئل الشيخ عبد العزيز الراجحي في بعض دروسه، هل من قرأ في باب الأبراج والحظ في الصحف والمجلات لا تقبل له صلاة أربعين يوماً؟ وإذا صدقها فهل يكفر؟ الجواب: إذا صدقهم في دعوى علم الغيب يكفر، أي: إذا صدقهم في دعوى علم الغيب وأن هذه الأبراج سبب في الحظ وسبب في السعادة أو التعاسة، أو سبب في طول العمر وفي كثرة المال، أو أن هذا البرج الفلاني إذا طلع يكون حظ الإنسان سعيداً أو تعيساً، فمن ادعى ذلك أو صدق من يقول ذلك كفر، لأن هذا دعوى لعلم الغيب وتصديق في دعوى علم الغيب، وهذا معناه تنجيم، ومن قال ذلك فهو منجم، من قال: إذا طلع النجم الفلاني حصل لفلان حظ وحصل له سعادة، أو طال عمره، أو كثر رزقه، أو حصل له مال، فهذا منجم كافر، ومن صدقه في دعوى علم الغيب فهو كافر، أما إذا قرأها للرد عليها، أو للنظر وللعبرة في هذا، أو لإيصالها وتبليغها للعلماء حتى يردوا على القائل، أو للتعرف على خرافات هؤلاء المنجمين لا لتصديقها، فهذا لا بأس به، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل ابن صياد وكان دجالاً من اليهود، فقال: ما يأتيك؟ فقال: يأتيني صادق وكاذب، فقال له: لقد خبأت لك خبأً، قال: هو الدخ، قال: اخسأ عدو الله، فلن تعدو قدرك، أي: إنما أنت من إخوان الكهان، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء يختل أن يسمع من ابن صياد قبل أن يراه، وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها رمرمة أو زمزمة، فرأت أمه النبي صلى الله عليه وسلم مقبلاً، فقالت: أي صاف! هذا محمد، فثار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو تركته بين ـ فابن صياد هذا سأله عليه الصلاة والسلام للتعرف على حاله والتحذير منه، ولهذا قال: ما يأتيك؟ فقال: يأتيني صادق وكاذب، ثم قال في النهاية: اخسأ عدو الله فلن تعدو قدرك.
ومن أهل العلم من يرى تحريم ذلك، قال العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ في القول المفيد: فسؤال العراف ونحوه ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: أن يسأله سؤالا مجردا، فهذا حرام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أتى عرافا ـ فإثبات العقوبة على سؤاله يدل على تحريمه، إذ لا عقوبة إلا على فعل محرم.
القسم الثاني: أن يسأله فيصدقه، ويعتبر قوله، فهذا كفر، لأن تصديقه في علم الغيب تكذيب للقرآن، حيث قال تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ.
القسم الثالث: أن يسأله ليختبره: هل هو صادق أو كاذب، لا لأجل أن يأخذ بقوله، فهذا لا بأس به، ولا يدخل في الحديث، وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابن صياد، فقال: ماذا خبأت لك؟ قال: الدخ، فقال: اخسأ، فلن تعدو قدرك ـ فالنبي صلى الله عليه وسلم سأله عن شيء أضمره له، لأجل أن يختبره، فأخبره به.
وجاء في كتاب إعانة المستفيد شرح كتاب التوحيد للشيخ الفوزان: فصدَّقه بما يقول لم تُقبل له صلاة أربعين يوماً ـ هذه اللَّفظة فصدَّقه ليست في صحيح مسلم، وإنما وردت في رواية الإمام أحمد في المسند، والذي في صحيح مسلم: من أتى عرَّافاً لم تُقبل له صلاة أربعين يوماً ـ فالحكم مرتّب على مجيء العرَّاف فقط، لأن إتيان العرّاف والذهاب إليه جريمة ومحرم حتى ولو لم يصدِّقه، ولهذا لما سأل معاوية بن الحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العرَّافين قال: لا تأتهم ـ فالنبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن مجرّد إتيانهم، فهذا الحديث يدلّ على تحريم الذهاب إلى العرَّافين، حتى ولو لم يصدِّقهم، ولو قال: أنا أذهب من باب الاطلاع، فهذا لا يجوز، لم تُقبل له صلاة أربعين يوماً ـ وفي رواية: أربعين يوماً وليلة ـ فدلّ هذا على شدّة عقوبة من يأتي العرَّاف، وأن صلاته لا تُقبل عند الله، ولا ثواب له عند الله فيها، وإن كان لا يؤمر بالإعادة، لأنه صلّى في الظاهر، لكن فيما بينه وبين الله صلاته لا ثواب له فيها، لأنها غير مقبولة، وهذا وعيد شديد يدلّ على تحريم الذهاب إلى العرَّافين مجرّد الذهاب، ولو لم يصدِّق.
وقال الشيخ عطية صقر رحمه الله: قال العلماء: من صدَّق هذه الطوالع واعتقد أنها تضر وتنفع بدون إذن الله، أو أن غير الله يعلم الغيب، فهو كافر، ومن آمن بأنها ظنية ولم يعتقد أنها تضر وتنفع فهو مؤمن عاص ينقص ذلك من حسناته، وفي ذلك يقول الحديث الذي رواه الطبراني: من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أُنزل على محمد، ومن أتاه غير مصدق له لم تُقبل له صلاه أربعين ليلة، والمداومة على قراءه هذه الطوالع قد تجر إلى أنها اطلاع حقيقي على الغيب الخاص بالله تعالى، وهو حرام. اهـ من فتاوى الأزهر.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 33856.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني