السؤال
صديقة لي قبل زواجها قامت بمقابلة خطيبها عدة مرات في شقتهم وكانت تحدث بينهما أحضان وقبلات وقد يكون حدث أكثر من ذلك ولكنها ظلت بنتا حتى يوم الزفاف، فهل يعد زفافهما وزواجهما به نوع من التكفير؟ وقد توفيت صديقتي، فماذا يفعل زوجها حتى يخفف عنها السؤال؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يرحم هذه المرأة وأن يعفو عنها بمنه وكرمه، وأما الزواج: فلم نقف على نص يدل على أنه من مكفرات الذنوب، قال ابن تيمية في حصره لمكفرات الخطايا: فالذنوب لا توجب دخول النار مطلقا إلا إذا انتفت الأسباب المانعة من ذلك، وهي عشرة: منها التوبة، ومنها الاستغفار، ومنها الحسنات الماحية، ومنها المصائب المكفرة، ومنها شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها شفاعة غيره، ومنها دعاء المؤمنين، ومنها ما يهدى للميت من الثواب كالصدقة والعتق عنهم، ومنها فتنة القبر، ومنها أهوال القيامة. اهـ.
وقال ابن القيم في ذلك: فإذا طالع جنايته شمر لاستدراك الفارط بالعلم والعمل، وتخلص من رق الجناية بالاستغفار والندم وطلب التمحيص، وهو تخليص إيمانه ومعرفته من خبث الجناية، كتمحيص الذهب والفضة، وهو تخليصهما من خبثهما، ولا يمكن دخوله الجنة إلا بعد هذا التمحيص، فإنها طيبة لا يدخلها إلا طيب، ولهذا تقول لهم الملائكة: سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين {الزمر: 73} وقال تعالى: الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة {النحل: 32} فليس في الجنة ذرة خبث، وهذا التمحيص يكون في دار الدنيا بأربعة أشياء: بالتوبة، والاستغفار، وعمل الحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، فإن محصته هذه الأربعة وخلصته كان من الذين تتوفاهم الملائكة طيبين {النحل: 32} يبشرونهم بالجنة، وكان من الذين تتنزل عليهم الملائكة عند الموت: أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم { فصلت: 30ـ 32} وإن لم تف هذه الأربعة بتمحيصه وتخليصه، فلم تكن التوبة نصوحا وهي العامة الشاملة الصادقة، ولم يكن الاستغفار النافع، لا استغفار من في يده قدح السكر، وهو يقول: أستغفر الله، ثم يرفعه إلى فيه، ولم تكن الحسنات في كميتها وكيفيتها وافية بالتكفير، ولا المصائب، وهذا إما لعظم الجناية، وإما لضعف الممحص، وإما لهما محص في البرزخ بثلاثة أشياء:
أحدها: صلاة أهل الإيمان الجنازة عليه، واستغفارهم له، وشفاعتهم فيه.
الثاني: تمحيصه بفتنة القبر، وروعة الفتان، والعصرة والانتهار، وتوابع ذلك.
الثالث: ما يهدي إخوانه المسلمون إليه من هدايا الأعمال، من الصدقة عنه، والحج، والصيام عنه، وقراءة القرآن عنه والصلاة، وجعل ثواب ذلك له، وقد أجمع الناس على وصول الصدقة والدعاء، قال الإمام أحمد: لا يختلفون في ذلك، وما عداهما فيه اختلاف، والأكثرون يقولون بوصول الحج، وأبو حنيفة يقول: إنما يصل إليه ثواب الإنفاق، وأحمد ومن وافقه مذهبهم في ذلك أوسع المذاهب، يقولون: يصل إليه ثواب جميع القرب، بدنيها وماليها، والجامع للأمرين، واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن سأله: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، فذكر الحديث وقد قال صلى الله عليه وسلم: من مات وعليه صيام صام عنه وليه.
فإن لم تف هذه بالتمحيص، محص بين يدي ربه في الموقف بأربعة أشياء: أهوال القيامة، وشدة الموقف، وشفاعة الشفعاء وعفو الله عز وجل.
فإن لم تف هذه الثلاثة بتمحيصه فلا بد له من دخول الكير، رحمة في حقه ليتخلص ويتمحص، ويتطهر في النار، فتكون النار طهرة له وتمحيصا لخبثه، ويكون مكثه فيها على حسب كثرة الخبث وقلته، وشدته وضعفه وتراكمه، فإذا خرج خبثه وصفي ذهبه، وصار خالصا طيبا، أخرج من النار، وأدخل الجنة. اهـ.
ويشرع للزوج وغيره أن يدعوا لهذه المتوفاة، وأن يستغفروا لها، ويتصدقوا عنها، وانتفاع الميت بهذه الأمور محل اتفاق بين العلماء، وفي غيرها من الطاعات خلاف بين أهل العلم، وانظري لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 141197.
والله أعلم.