السؤال
تزوجت من سيدة وبعد أن خطبتها عاشرتها خلال الخطبة، وبعد شكوك في وجود حمل عقدنا القران بوجود والدتها وشاهدين من غير أهلها فوالدها متوفى ولها إخوة لوالدها وأعمام وخال أي زوجتني نفسها بحضور أمها وبقيت أعاشرها دون علم أهلها وحملت بمولود فأعلنا الزفاف وكنت طلقتها قبل ذلك مرتين قبل أن نعلن الزفاف، وبعد الزفاف طلقتها أمام مأذون مرة أخرى:
1ـ ما حكم تزويجها نفسها بحضور والدتها؟.
2ـ ما حكم الطلقتين الأوليين؟.
3ـ هل تحل لي مرة أخرى؟ لدينا بنت 11عاما.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك أولاً أن تبادر بالتوبة إلى الله مما وقعت فيه من الزنا بتلك المرأة، فالزنا من أفحش الذنوب ومن أكبر الكبائر التي تجلب غضب الله، والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم على عدم العود إليه مع الستر على النفس وعدم المجاهرة بالذنب، وانظر الفتوى رقم: 5450.
واعلم أن تزويج المرأة نفسها لا يصح، فالجمهور على اشتراط الولي لصحة النكاح خلافاً للإمام أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ الذي يرى صحة تزويج المرأة الرشيدة نفسها، ومذهب الجمهور هو الراجح، وانظر الفتوى رقم: 111441.
وأما عن حكم الطلاق الذي وقع منك في هذا النكاح فهو معتبر، قال ابن قدامة في المقنع: ويقع الطلاق في النكاح المختلف فيه كالنكاح بلا ولي عند أصحابنا.
وعليه، فما دمت قد طلقتها ثلاثا فلا تحل لك إلا إذا تزوجت زوجا غيرك ـ زواج رغبة لا زواج تحليل ـ ثم بعد الدخول يفارقها الزوج بطلاق أو موت وتنتهي العدة، جاء في مسائل الإمام أحمد رواية ابنه أبي الفضل صالح: وسألته عن امرأة تزوجت بغير إذن وليها فطلقها هذا الذي تزوج بها ثلاثا ثم أجاز الولي النكاح هل تحل له من قبل أن تنكح زوجا غيره، لأن هذا النكاح الأول كان فاسدا؟ قال: لا ترجع إليه إلا بزوج، لأن هذا النكاح الذي تزوجها هذا به إن جاءت منه بولد كان الولد لاحقا به، لأن هذا نكاح شبهة فلا تحل له إلا أن تنكح زوجا غيره.
مع التنبيه على أنه لا يجوز لمن اعتقد صحة النكاح أن يرجع ويبني على بطلانه حكما يوافق رغبته فإن ذلك غير جائز، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْوَلِيِّ هَلْ كَانَ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا، لِيَجْعَلَ فِسْقَ الْوَلِيِّ ذَرِيعَةً إلَى عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ يُصَحِّحُونَ وِلَايَةَ الْفَاسِقِ، وَأَكْثَرُهُمْ يُوقِعُونَ الطَّلَاقَ فِي مِثْلِ هَذَا النِّكَاحِ، بَلْ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ، وَإِذَا فَرَّعَ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ، وَأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِيهِ، فَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِلَّ الْحَلَالَ مَنْ يُحَرِّمُ الْحَرَامَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَقِدَ الشَّيْءَ حَلَالًا حَرَامًا، وَهَذَا الزَّوْجُ كَانَ يَسْتَحِلُّ وَطْأَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَلَوْ مَاتَتْ لَوَرِثَهَا، فَهُوَ عَامِلٌ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ، فَكَيْفَ يَعْمَلُ بَعْدَ الطَّلَاقِ عَلَى فَسَادِهِ؟ فَيَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا إذَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي صِحَّتِهِ، فَاسِدًا إذَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي فَسَادِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ يُخَالِفُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ حِلَّ الشَّيْءِ، كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَافَقَ غَرَضَهُ أَوْ خَالَفَهُ، وَمَنْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ فِي الْحَالَيْنِ، وَهَؤُلَاءِ الْمُطَلِّقُونَ لَا يُفَكِّرُونَ فِي فَسَادِ النِّكَاحِ بِفِسْقِ الْوَلِيِّ إلَّا عِنْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، لَا عِنْدَ الِاسْتِمْتَاعِ وَالتَّوَارُثِ، يَكُونُونَ فِي وَقْتٍ يُقَلِّدُونَ مَنْ يُفْسِدُهُ، وَفِي وَقْتٍ يُقَلِّدُونَ مَنْ يُصَحِّحُهُ بِحَسَبِ الْغَرَضِ وَالْهَوَى، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ.
والله أعلم.