السؤال
هل يعبد الإنسان الله لينجو بنفسه وينال الجزاء والثواب، ولأنه هو السبيل ليصل إلى ما يريد؟ أم يعبد الله لأنه هو الله وفقط دون النظر إلى ما يعود عليه من وراء العبادة سواء في الدنيا أو الآخرة ؟ وهل إذا كان الدافع الذي يدفعني إلى العبادة والتزام الأوامر واجتناب النواهي هو الجزاء من الله كقوله تعالى مثلا: واتقوا الله ويعلمكم الله ـ فأنا حينما أسير في طريق العلم مثلا فأنا أبحث عن التقوى حتى يعلمني الله، وحينما أصلي حتى يرزقني الله راحة النفس والطمأنينة، وحينما أترك الزنا حتى يحفظ الله أهلي من الزنا، هل هذا يطعن في الإخلاص والتوحيد؟ وإنما ينبغي أن أعبد الله فقط لأنه هو الله؟ وإن كانت الإجابة بنعم وهذا ما أظن ـ والله أعلم ـ فلماذا يستخدم الشيوخ هذه الدوافع في التحفيز على الطاعة والترهيب من المعصية؟ أرجو التفصيل والتوضيح قدر الإمكان، لأن هذا الموضوع يشغلني ويخيفني كثيرا، وأيضا في مسألة معاقبة النفس حتى تقلع عن المعصية فمثلا الذي يلزم نفسه بإخراج صدقة كلما اغتاب مثلا حتى يقلع عن الغيبة أليس بذلك يكون ترك المعصية حرصا على ماله، وبالتالي هو أشرك مع الله إله آخر وهو المال وليس الله وحده؟ أرجوكم التوضيح وبارك الله فيكم وجزاكم عنا خير الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طلب العلم والالتزام بالشرع طلبا لما وعد الله تعالى به عباده المؤمنين من السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة لا يتنافى مع الإخلاص، فقد قال الله تعالى: فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا {طه: 123ـ124}.
وانظر الفتويين رقم: 147295120085وما أحيل عليه فيهما.
والمسلم يعبد الله تعالى لينجو من العذاب، ولينال الثواب، ولأن الله تعالى وحده هو المستحق للعبادة، ولا تعارض بين هذه الثلاثة، فالعبادة هي الجمع بين حب الله تعالى ورجاء رحمته والخوف من عذابه، وأعظمها الحب، والقرآن الكريم مليء بآيات الترغيب والترهيب والأمر بالخوف والرجاء فمن ذلك على سبيل المثال قول الله تعالى: وادعوه خوفا وطمعا {الأعراف:56}.
قال القرطبي: مر بأن يكون الإنسان في حالة ترقب وتخوف وتأميل لله عز وجل، حتى يكون الرجاء والخوف للإنسان كالجناحين للطائر يحملانه في طريق استقامته، وإن انفرد أحدهما هلك الإنسان.
وقد وصف الله تعالى أنبياءه وصفوته من خلقه بقوله: إنهم كانوا يسارعون في الخيرات و يدعوننا رغبا ورهبا {الأنبياء:90}.
قال الطبري: رغبا في رحمة الله، ورهبا من عذاب الله، ولا ينبغي لأحدهما أن يفارق الآخر.
وقال ابن تيمية في الفتاوى: ومن قال من هؤلاء ـ بعض الشيوخ ـ لم أعبدك شوقا إلى جنتك ولا خوفا من نارك فهو يظن أن الجنة اسم لما يتمتع فيه بالمخلوقات والنار اسم لما لا عذاب فيه إلا ألم المخلوقات وهذا قصور منهم عن فهم مسمى الجنة، بل كل ما أعده الله لأوليائه فهو من الجنة والنظر إليه هو من الجنة ولهذا كان أفضل الخلق يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار، ولما سأل بعض أصحابه عما يقول في صلاته: قال إني أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، فقال: حولها ندندن.
والله أعلم.