السؤال
امرأة غربيّة اعتنقت الإسلام لها من العمر 40 سنة وهي مطلّقة من رجل مسلم ولها أولاد في كفالتها تريد الزّواج من رجل آخر، ولكن زوجها الأوّل قال لها إنّ الإسلام يفرض عليها ترك أولادها له ليكفلهم ولا يحقّ لها الاستمرار في كفالتهم إن هي أقدمت على الزواج من رجل آخر مسلمٍ طبعا، فهل الإسلام يفرض عليها ذلك؟ أم الأولى مراعاة مصلحة الأولاد؟ وهي متمسّكة برعايتهم وتقول إنّهم سيكونون في حال أفضل معها، لأنّ أباهم مُقدِم على الزواج من إمرأة أخرى وهذا قد يؤثّر على الأولاد وعلى رعايتهم، وهي تقول إنّها كابدت من أجل أولادها وبذلت كلّ ما تملك في سبيل رعايتهم وأنّها لا تفهم كيف أنّ الإسلام يفرض عليها ترك الكفالة لمُطلّقِها إن هي أرادت الزواج، وتقول إنّها مستعدّة أن تكون زوجة ثانية لرجل مسلم أي أنّه من ناحية تقضي وطرها ممّا أحلّ الله ومن ناحية أخرى تكون متفرغة لرعاية أولادها، وأخيرا هي تفكّر بأن تبقى دون زوج إن كانت الشّريعة تفرض عليها ترك أولادها لمطلقها، أفيدونا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أجمع أهل العلم على أن الأم يسقط حقها في الحضانة إذا تزوجت، جاءفي المنتقي للبا جي: وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْفُقَهَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْأُمَّ أَحَقُّ بِحَضَانَةِ الْوَلَدِ مِنْ أَبِيهِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني: أن الأم إذا تزوجت سقطت حضانتها، قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم. انتهى.
والحكمة من سقوط حضانة الأم بالتزويج هو المحافظة على مصلحة المحضون، لأنها بعد زواجها تصير مشغولة بأداء حقوق زوجها وقد يترتب على ذلك تقصير في حقوق الولد والقيام بشؤونه، جاء في المنتقى للباجي: وَهَذَا مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ الْأُمُّ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ فَالْحَضَانَةُ لَهَا مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا فَإِذَا دَخَلَ بِهَا بَطَلَتْ حَضَانَتُهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّبِيَّ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِتَكَرُّهِ الزَّوْجِ لَهُ وَضَجَرِهِ بِهِ وَالْأُمُّ تَدْعُوهَا الضَّرُورَةُ إِلَى التَّقْصِيرِ فِي تَعَاهُدِهِ طَلَبًا لِمَرْضَاةِ الزَّوْجِ وَاشْتِغَالًا بِهِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مُضِرٌّ بِالصَّبِيِّ فَبَطَلَ حَقُّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ.
وقال النووي في المجموع: ولأنها إذا تزوجت استحق الزوج الاستمتاع بها إلا في وقت العبادة، فلا تقوم بحضانة الولد. انتهي.
فإذا تزوجت سقطت حضانتها وانتقلت إلى الأحق بها من النساء ولا تنتقل للأب إلا إذا لم يوجد من هو أحق بها منه، قال الباجي في المنتقي: إِذَا ثَبَتَ أَنَّ حَضَانَةَ الْأُمِّ تَبْطُلُ بِدُخُولِ زَوْجِهَا بِهَا فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ بَعْدَهَا إِلَى أَقْرَبِ النِّسَاءِ بِالصَّبِيِّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ وَيَنْتَقِلُ ذَلِكَ بِتَزَوُّجِ الْأُمِّ وَعَدَمِ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْ الْأَبِ بِالْحَضَانَةِ مِنْ النِّسَاءِ إِلَى الْأَبِ. انتهى.
وقال النووي في المجموع: وإن اجتمع الرجال وهم من أهل الحضانة وليس معهم نساء قدم الأب، لأن له ولادة وفضل شفقة. انتهى.
وعليه، فإذا كانت تلك المرأة حريصة على استحقاق حضانة أولادها فلا تقدم على الزواج، لأنه مسقط لتلك الحضانة ـ كما ذكرنا ـ ولمعرفة تفصيل المذاهب في ترتيب مستحقي الحضانة راجعي في ذلك الفتوى رقم: 6256.
والله أعلم.