السؤال
أود أن أسأل عن: إذا قام أحد الأشخاص بفعل يستوجب إقامة حد شرعي معين مثل: السرقة ولم يعلم به الحاكم أو ولي الأمر وبعد ذلك تاب، وبعد توبته وصل الحاكم أن هذا الشخص قد سرق وثبت هذا عنده، فهل يقيم عليه الحد أم لا؟
أود أن أسأل عن: إذا قام أحد الأشخاص بفعل يستوجب إقامة حد شرعي معين مثل: السرقة ولم يعلم به الحاكم أو ولي الأمر وبعد ذلك تاب، وبعد توبته وصل الحاكم أن هذا الشخص قد سرق وثبت هذا عنده، فهل يقيم عليه الحد أم لا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة, جاء في المغني: وإن تاب من عليه حد من غير المحاربين وأصلح ففيه روايتان:
إحداهما: يسقط عنه، لقول الله تعالى: والذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما ـ وذكر حد السارق، ثم قال: فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه ـ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له ـ ومن لا ذنب له لا حد عليه، وقال في ماعز لما أخبر بهربه: هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه ـ ولأنه خالص حق الله تعالى فيسقط بالتوبة كحد المحارب.
والرواية الثانية: لا يسقط ـ وهو قول مالك و أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي ـ لقول الله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ـ وهذا عام في التائبين وغيرهم، وقال تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ـ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا والغامدية وقطع الذي أقر بالسرقة وقد جاءوا تائبين يطلبون التطهير بإقامة الحد، وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلهم توبة، فقال في حق المرأة: لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ـ وجاء عمرو بن سمرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني سرقت جملا لبني فلان فطهرني ـ وقد أقام رسول الله صلى الله عليه سلم الحد عليه، ولأن الحد كفارة فلم يسقط بالتوبة ككفارة اليمين والقتل، ولأنه مقدور عليه فلم يسقط عنه الحد بالتوبة كالمحارب بعد القدرة عليه. انتهى.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على أن التوبة النصوح ـ أي الندم الذي يورث عزما على إرادة الترك ـ تسقط عذاب الآخرة عن السارق، ولكنهم اختلفوا في أثر التوبة على إقامة حد السرقة: فذهب الحنفية والمالكية والشافعية ـ في أحد القولين ـ والحنابلة ـ في إحدى الروايتين ـ وعطاء، وجماعة: إلى أن التوبة لا تسقط حد السرقة، لقوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله ـ من غير أن يفرق بين تائب وغيره، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام الحد على عمرو بن سمرة، حين أتاه تائبا يطلب التطهير من سرقته جملا.
وذهب الشافعية - في أصح القولين - والحنابلة - في الرواية الأخرى - إلى أن التوبة تسقط حد السرقة، لقوله تعالى - بعد أن بين جزاء السارق والسارقة: فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ـ وهو يدل على أن التائب لا يقام عليه الحد، إذ لو أقيم عليه الحد بعد التوبة لما كان لذكرها فائدة. انتهى.
مع التنبيه على أن بعض أهل العلم قد ذهبوا إلى أن الإمام لا يقيم الحد على السارق إلا إذا جاء المسروق منه وادعى الشيء المسروق, جاء في الشرح الكبير لابن قدامة: وجملة ذلك أن السارق لا يقطع وإن اعترف، أو قامت بينة حتى يأتي مالك المسروق يدعيه، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي. انتهى.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني