السؤال
ما حكم ترك سجود السهو عمدا؟ وأنا في صلاة رباعية شككت في الركعة الأخيرة هل هذه الرابعة أم الخامسة؟ فغلب على ظني أنها الرابعة ولكني لا أعرف متى السجود قبل أم بعد السلام، فحاولت التذكر فكان الغالب على الظن أنها الرابعة فقلت بما أني شبه متأكدة إذا فأنا متأكدة، ولكني لم أكن متأكدة في الحقيقة فبحثت عن إجابه فوجدت : رواية عن أحمد بأن الصلاة تبطل بترك سجود السهو المشروع بعد السلام. فأعدت صلاتي ووجدت بعد إعادتي لها أنه إذا كان بعد السلام لا تبطل. فما الصحيح ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلمي أولا أن العلماء مختلفون في حكم سجود السهو فمنهم من قال بسنيته كما هو قول الشافعي وجماعة من العلماء، وعليه فلا تبطل صلاة من تركه أصلا.
ومنهم من قال بوجوبه لكن لا تبطل الصلاة بتركه كقول أبي حنيفة، ومنهم من قال بوجوبه لما يبطل عمده الصلاة وهو ظاهر مذهب أحمد، ثم إن ظاهر مذهبه أن الصلاة تبطل بترك سجود السهو إذا كان محل أفضليته قبل السلام، ولا تبطل بتركه إذا كان محل أفضليته بعد السلام، وعنه رواية ببطلان الصلاة بترك سجود السهو مطلقا، وفي مسألتك هذه فقد كان الواجب عليك أن تبني على الأقل سواء غلب على ظنك أو لا، ولا تعلمين بالتحري إذ الإمام وحده هو الذي يعمل بالتحري ويبني على غالب ظنه في ظاهر مذهب الإمام أحمد.
قال في المقنع: وظاهر المذهب أن المنفرد يبني على اليقين، والإمام على غالب ظنه. انتهى.
وقد أشبع ابن رجب في شرحه للبخاري القول في حكم سجود السهو وبيان مذاهب العلماء فيه ومتى تبطل الصلاة بتركه بما يحسن نقله عنه لما فيه من الفائدة.
قال رحمه الله: واختلف العلماء في وجوب سجود السهو :
فذهب إلى وجوبه كثير من العلماء ، منهم : الحكم وابن شبرمة وأبو حنيفة - فيما حكاه الكرخي ، عنه - والثوري وأحمد وإسحاق .
لكن أحمد إنما يوجبه إذا كان لما يبطل عمده الصلاة خاصة ، فأما ما لا يبطل الصلاة عمده ، كترك السنن وزيادة ذكر في غير محله ، سوى السلام ، فليس بواجب عنده ؛ لأن السجود من أجله ليس بواجب فعله أو تركه ، فجبرانه أولى ، فأما ما يجب فعله أو تركه ، فيجب جبرانه بالسجود كجبرانات الحج.
وحكي عن مالك وأبي ثور : إن كان من نقصان وجب ؛ لأن محله قبل السلام ، فيكون من جملة أجزاء الصَّلاة ، بخلاف ما محله بعد السلام ؛ لأن محله بعد التحلل من الصلاة . وقال الشافعي : هو سنة بكل حال . وحكي رواية عن أحمد ، وتأولها بعض أصحابه . فمن قالَ : إن سجود السهو سنة ، لم تبطل الصَّلاة بتركه بحال ، وهو قول الشافعي وعبد الملك المالكي . وكذلك مذهب أبي حنيفة ، لكنه عنده : إذا فعل وقع موقع الفرض ، والتحق به ، وإن كان بعد السلام بحيث لو أحدث فيه أو خرج الوقت بطلت الصلاة المتقدمة .
واختلفت الرواية عن أحمد : هل تبطل الصلاة بترك السجود للسهو، عنه روايتان : إحداهما : إن تركه عمدا ، وكان محله قبل السلام بطلت الصلاة ، وإن كان محله بعد السلام لم تبطل ، وإن كان تركه نسياناً لم تبطل بكل حال . وحكي مثله عن أبي ثور . لأن ما محله قبل السلام - وهو واجب - هو كالجزء من الصلاة ، بخلاف ما محله بعد السلام ، فإنه خارج عن الصلاة ، فهو كالأذان ، عند من يقول بوجوبه ، لا يبطل الصلاة تركه.
والرواية الثانية : إذا نسيه حتى طال الفصل أعاد الصلاة . وهذا يدل على أن تركه يبطل الصلاة بكل حال، وهو قول الحكم وابن شبرمة ؛ لأنه سجود واجب في الصَّلاة أو لأجلها ، فهوَ كسجود صلب الصَّلاة . وكذلك قال مالك ، فيما قبل السلام . وقال فيما بعده : لا يبطل تركه مطلقا . وروي عن مالك : اختصاص البطلان فيما قبل السلام بترك الأفعال دون الأقوال . ومذهب الثوري : أن سجود السهو واجب ، وليس هو من صلب الصلاة ، فمن ضحك فيه أو أحدث ، فلا شيء عليه . ولكنه قال ، فيمن سلم وهو يرى أنه ينبغي أن يسجد [ في ] صلاته : أعاد الصلاة ؛ لأنه أدخل في صلاته زيادة . يعني به : السلام . وهذا يدل على تفريقه بين سجود السهو الذي قبل السلام وبعده ، كقول أحمد . وكذلك قال الليث ، فيمن نسي سجود السهو الذي قبل السلام ، فلم يذكره حتى صلى صلاة أخرى، أنه يعيد الصلاة التي نسي سجودها، فإن كان السجود بعد السلام سجد سجدتي السهو، ولم يعد صلاته .
نقله عنه ابن وهب في ( ( كتاب سجود السهو ) ) له ، ووافقه عليه. انتهى.
وإنما نقلناه بطوله لفائدته، وما دمت قد أعدت تلك الصلاة التي تركت سجود السهو فيها فقد برئت ذمتك وخرجت من خلاف العلماء المبطلين للصلاة بترك سجود السهو إما مطلقا وإما فيما كان محل أفضليته قبل السلام.
والله أعلم.