السؤال
هل تجب على العبد طاعة سيده في كل شيء دون حدود؟ وهل يجوز للسيد ضرب العبد؟ ومتى؟ وكيف يكون الضرب؟.
هل تجب على العبد طاعة سيده في كل شيء دون حدود؟ وهل يجوز للسيد ضرب العبد؟ ومتى؟ وكيف يكون الضرب؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فطاعة الرقيق لمواليهم مقيدة بقيدين:
الأول: أن لا يكون ذلك في معصية الله، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. رواه أحمد، وصححه الألباني.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف. متفق عليه.
قال القرطبي في المفهم: يعني بالمعروف هنا: ما ليس بمنكرٍ ولا معصية. اهـ.
الثاني: كونها في طاقة العبد واستطاعته، بحيث يزول الإضرار به، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم. متفق عليه.
وقال ـ أيضا ـ صلى الله عليه وسلم: للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق. رواه مسلم.
وقال ـ أيضا ـ صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني.
وقال السعدي في بهجة قلوب الأبرار: هذا الحديث ـ يعني حديث: إنما الطاعة في المعروف ـ قيد في كل من تجب طاعته من الولاة والوالدين والزوج وغيرهم، فإن الشارع أمر بطاعة هؤلاء، وكل منهم طاعته فيما يناسب حاله، وكلها بالمعروف، فإن الشارع رد الناس في كثير مما أمرهم به إلى العرف والعادة، كالبر والصلة والعدل والإحسان العام، فكذلك طاعة من تجب طاعته، وكلها تقيد بهذا القيد، وأن من أمر منهم بمعصية الله ـ بفعل محرم أو ترك واجب ـ فلا طاعة لمخلوق في معصية الله.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف.
كما أنه يتناول ما ذكرنا، فإنه يتناول ـ أيضا ـ تعليق ذلك بالقدرة والاستطاعة، كما تعلق الواجبات بأصل الشرع. اهـ.
وكذلك مسألة ضربهم، فمشروعيته مقيدة بقيدين:
الأول: أن يوجد ما يبيحه من الأسباب.
والثاني: عدم التعدي لحدود الشرع في قدره وكيفيته، قال ابن قدامة في المغني: وله تأديب عبده وأمته إذا أذنبا، بالتوبيخ والضرب الخفيف، كما يؤدب ولده وامرأته في النشوز، وليس له ضربه على غير ذنب، ولا ضربه ضربا مبرحا وإن أذنب، ولا لطمه في وجهه، وقد روي عن ابن مقرن المزني قال: لقد رأيتني سابع سبعة ليس لنا إلا خادم واحد، فلطمها أحدنا فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بإعتاقها فأعتقناها.
وروي عن أبي مسعود قال: كنت أضرب غلاما لي فإذا رجل من خلفي يقول: اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود، فالتقت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام. اهـ.
وقال ابن مفلح في الفروع: نقل حرب ـ يعني عن الإمام أحمد: لا يضربه إلا في ذنب بعد عفوه عنه مرة أو مرتين، ولا يضربه شديدا.
ونقل حنبل: لا يضربه إلا في ذنب عظيم، لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها.
ويقيده إذا خاف عليه ويضربه غير مبرح، فإن وافقه وإلا باعه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تعذبوا عباد الله.
وظاهر هذه الرواية يوافق ما سبق من اختيار شيخنا.
ونقل غيره: لا يقيد ويباع أحب إلي.
ونقل أبو داود: يؤدب في فرائضه وإذا حمله ما يطيق.
وقد روى أبو داود والترمذي من حديث ابن عمر أن رجلا قال: يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟ فصمت ثم أعاد عليه الكلام فصمت فلما كان في الثالثة قال: اعفو عنه في كل يوم سبعين مرة.حديث جيد. اهـ. وهذا الحديث صححه الألباني.
ويؤخذ منه أن العفو المتتابع مقدم على العقوبة، كما يفهم مما تقدم أن كيفية الضرب مقيدة بعدم الشدة فيكون ضربا غير مبرح، ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 12210.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني