السؤال
قرأت قبل يومين في الأخبار أن هناك حاخاما يهوديا من كبار الحاخامات وصف الإسلام بالدين القبيح وذلك لأن الإسلام يفرض على المطلقة الزواج بغير زوجها الأول ليحل له ردها، ولم يذكر طبعا أن عدد الطلقات ثلاث قبل يفرض عليها أن تنكح غيره ثم الطلاق منه ليتراجعا.
سؤالي هو: لم فرض الله سبحانه وتعالى أن يتم الزواج من شخص آخر بعد الطلقات الثلاث, وإني على يقين كامل بأن هذا التشريع الذي شرعه سبحانه لم يأت من فراغ ولكن هناك حقائق علمية يجب أن تثبت كما أثبتت الكثير من الأمور التي جاء ذكرها بالقرآن عن طريق العلم وأصبحت حقائق علمية. مع الأسف تم إثباتها من قبل الغرب وليس العرب على سبيل المثال :
1- صيام فترة شهر من السنة عن الأكل والشرب يقي الإنسان مخاطر كثيرة.
2- فترة عدة المرأة بعد الطلاق أو الترمل تجنبها أخطار صحية عليها.
3- شرب الكحول يسبب بعض أنواع السرطان وباقي مخاطره المعروفة.
4- لحم الخنزير ومضاره.
5- أكل الميتة .
6- البرزخ في البحر, الخ.
إذن ما هو سبب الزواج من آخر لتحل للأول, يجب أن تكون هناك حقيقة عملية تفسر هذا الموضوع لأن الله سبحانه جعل لكل شيء سببا. فما سبب هذا التشريع من الناحية العلمية أفيدونا؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن ما شرعه الله لعباده إنما هو الخير والصلاح لهم في أمور معاشهم ومعادهم, ولكنا لا نسلم لك أيها السائل وجوب وجود حقيقة علمية وراء كل تشريع من التشريعات الإلهية المقدسة, وذلك لما يلي:
أولا: أن الشرع لم يخبرنا بذلك بمعنى أنه لم يأت نص من قرآن ولا سنة ينص على وجود فائدة علمية وراء كل تشريع من التشريعات, ولكن وردت النصوص تدل عموما على أن أحكام الله فيها المصلحة والعدل والخير كقوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا. {الأنعام: 115}. وقوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. {المائدة : 50}.
ثانيا: لم تنحصر المصالح في المصالح الدنيوية المحضة نعني تلك التي تتعلق بصحة الإنسان وسلامته من الأمراض والأوبئة ونحو ذلك، فهناك مصالح أخرى كثيرة كتلك التي تتعلق بالمحافظة على دين المرء وأخلاقه. وتشريع حرمة المرأة على زوجها بعد الطلقة الثالثة حتى تنكح زوجا غيره من هذا النوع, ذلك أن الطلاق أمر خطير يترتب عليه تشتت الأسرة وضياع مصلحة أفرادها خصوصا الأطفال, وغير ذلك من المفاسد, وكثير من الناس الذين لم يتأدبوا بأدب الشريعة يستهتر بهذا التشريع العظيم (الطلاق) ويتخذه هزوا, ويظل هكذا يطلق زوجته المرة بعد المرة وعند أول بادرة خلاف, ومنهم من يتخذه سيفا مصلتا على رقبة المرأة لابتزازها وإذلالها إلى غير ذلك من الأغراض الفاسدة, والطلاق من آيات الله وقد نهى الله سبحانه عباده عن اتخاذ آياته هزوا فقال سبحانه: وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا. {البقرة: 231}.
جاء في تفسير القرطبي: وفي موطأ مالك أنه بلغه أن رجلا قال لابن عباس : إني طلقت امرأتي مائة مرة فماذا ترى علي ؟ فقال ابن عباس : طلقت منك بثلاث، وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوا. انتهى.
من أجل ذلك جاءت الشريعة بتشريع حازم ليردع هؤلاء العابثين فحرمت على الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا أن يتزوجها حتى تنكح زوجا غيره زواجا حقيقيا ويدخل بها ذلك الغير وذلك لإغاظة الزوج وتأديبه ليشعر بجرم ما كان منه من العبث بآيات الله، فإن الرجل ينفر من أن يعاشر امرأته غيره ولو كان هذا في نكاح صحيح فإذا استشعر الإنسان هذا أمسك عن العبث بالطلاق.
جاء في حاشية ابن عابدين: وأما التحليل فقد شدد الشرع في ثبوته ولذا قالوا إن شرعيته لإغاظة الزوج عومل بما يبغض حين عمل أبغض مايباح، فلذا اشترطوا فيه الوطء الموجب للغسل بإيلاج الحشفة بلا حائل في المحل المتيقن. انتهى.
وكلامنا هذا لا ينفي وجود فائدة علمية وراء كل تشريع فقد يكون هذا واقعا في الحقيقة ولكنه ينفي القول بحتمية وجود ذلك، وينفي أيضا تعليق الإيمان على ثبوت مثل هذه الحقائق العلمية فإن الواجب على المسلم أن يلتزم أمر الله ولو لم يدرك من ورائه حكمة, وراجع الفتوى رقم: 80285.
وفي النهاية ننبهك على خطورة الاستماع إلى هؤلاء الكفار الذين يطعنون في دين الله ويسخرون من شريعته فإن الاستماع إلى أقوالهم – ممن ليس عنده علم – قد يؤدي إلى الوقوع في الفتنة والعياذ بالله.
والله أعلم.