الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالظاهر أن الدم الذي رأته هذه الزوجة هو دم استحاضة وفساد-إلا ما وافق عادتها كما سيأتي- فتجب عليها الصلاة، وعليها ما على المستحاضة من الوضوء لكل صلاة بعد دخول الوقت مع التحفظ بشد خرقة أو نحوها على الموضع، ويجوز لزوجها أن يجامعها لما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: المستحاضة يأتيها زوجها إذا صلت, الصلاة أعظم.
وذلك لأن الدم الناشئ عن إسقاط الجنين لا يكون نفاسا إلا إذا تبين فيه خلق إنسان وما لم يتبين فيه خلق إنسان فليس بنفاس.
قال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله: ولا يثبت النفاس إلا إذا وضعت ما تبين فيه خلق إنسان، فلو وضعت سقطاً صغيراً لم يتبين فيه خلق إنسان فليس دمها دم نفاس، بل هو دم عرق، فيكون حكمها حكم الاستحاضة، وأقل مدة يتبين فيها خلق إنسان ثمانون يوماً من ابتداء الحمل، وغالبها تسعون يوماً. انتهى.
وأما ما وافق عادتها من هذا الدم فهو حيض لموافقته مدة العادة.
جاء في فتاوى الشيخ العثيمين رحمه الله: إذا نزل الجنين فنزل الدم بعده، فإن كان هذا الجنين قد تبين فيه خلق الإنسان، فتبين يداه ورجلاه وبقية أعضائه، فالدم دم نفاس لا تصلي المرأة ولا تصوم حتى تطهر منه، وإن لم يتبين فيه خلق إنسان فليس الدم دم نفاس فتصلي وتصوم إلا في الأيام التي توافق عادتها الشهرية، فإنها تجلس لا تصلي ولا تصوم حتى تنتهي أيام العادة.
وبناء عليه فإن جواب ما سألت عنه كما يلي:
أولا: ما أمر الزوج به زوجته من الصلاة هو الواجب كما قدمنا من أن المستحاضة تصلي وتصوم، ولكن إذا كانت قد تخللت مدة الاستحاضة عادة حيض تلك الزوجة فقد كان عليها أن تتوقف عن الصلاة إذن، وإذا لم تفعل لظنها بقاء الاستحاضة فعليها قضاء الصلوات التي صلتها بعد انقضاء مدة العادة وقبل غسلها لأن هذه الصلوات وقعت باطلة لافتقادها شرطا من شروط صحة الصلاة وهو الطهارة. وعند شيخ الإسلام أن القضاء لا يلزمها للجهل كما بينا ذلك في الفتويين: 125226، 109981.
ثانيا: ما حصل من الجماع كان جائزا لما قدمنا من جواز جماع المستحاضة، غير أنه كان يجب عليهما ترك الجماع في المدة التي وافق فيها الدم عادة تلك المرأة.
ثالثا: إن كانت هذه المرأة لم تعلم بتخلل الحيض في تلك المدة فلا كفارة على واحد منهما فيما وقع من جماع، وإن كانت علمت وأخفت ذلك عن الزوج فعليها الكفارة دون الزوج عند من يوجب الكفارة بالوطء في الحيض، والظاهر أنهما لم يتعمدا انتهاك الحرمة فيعذران ولا يكون عليهما إثم ولا تلزمهما الكفارة، على فرض وقوع الجماع في مدة الحيض المتخللة لذلك الدم.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: فإن كان ناسيا أو جاهلا بوجود الحيض، أو جاهلا بتحريمه، أو مكرها: فلا إثم عليه ولا كفارة. انتهى.
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله: فإن كان جاهلاً للتّحريم، أو الحيضِ، أو ناسياً، أو أُكرهت المرأةُ، أو حَصَلَ الحيضُ في أثناء الجماع ، فلا كفَّارة ، ولا إثم. انتهى.
وأما رابعا: فإذا تبين كونهما معذورين ولا كفارة عليهما فلا يضر جهلهما بعدد مرات الجماع، وعلى تقدير لزوم الكفارة لأحدهما فإنما يلزم ما حصل اليقين بوقوعه، وما شك فيه فالأصل عدمه.
وأما خامسا: فإن كفارة الوطء في الحيض لا تجب إلا عند الحنابلة، ومذهب الجمهور أن الوطء في الحيض لا تجب به كفارة وإنما تلزم منه التوبة فحسب، ومذهب الجمهور وإن كان له قوة من حيث إن حديث ابن عباس الموجب للكفارة مختلف في صحته وأكثر المحدثين يضعفونه بل حكى النووي الاتفاق على ضعفه، ولكن مذهب الحنابلة هو الأحوط والأبرأ للذمة.
وأما سادسا: فإن الكفارة على فرض وجوبها هي دينار أو نصف دينار كما جاء في الحديث المروي عن ابن عباس، والدينار أربعة جرامات وربع من الذهب الخالص تقريبا، وحيث إن سعر الذهب يتفاوت من وقت لآخر، فإن معرفة مقدار الكفارة بالجنيه المصري يكون بالرجوع إلى سعر الذهب فما ساوى هذا المقدار فهو مقدار الكفارة الواجبة.
والله أعلم.