السؤال
أنا طبيبة فى بداية حياتي الطبية وعندي طموح أن أكمل دراساتي العليا، ولكن عندما كنت أتحدث مع إحدى صديقاتي قالت إنها سمعت من أحد الشيوخ أن المرأة التي تتعلم فى الجامعات المختلطه آثمة حتى لو كانت ملتزمة بحجابها الشرعي وأنها لو كانت مثلا فى الجامعة على غير التزام وحدث أن هداها الله وجب عليها أن تترك هذه الجامعة وأن تجلس فى البيت، وعندما قلت أنه من الممكن بمهنتي هذه أن أساعد كثيرا من النساء حتى لا ينكشفن على الرجال، قالت لي اتركي ذلك لغير الملتزمات من النساء، والآن أنا فى حيرة، هل كل هذه السنين من حياتى كنت فيها آثمة؟ والآن أنا لم أتخصص بعد، فهل أتوقف عن التعليم وأجلس فى البيت؟ وهل الدين يحرم على المرأة أن تكمل دراستها حتى ولو كانت ملتزمة بحجابها الشرعي وملتزمة بتعاليم دينها؟ وإذا اضطرت المرأة أن تعمل، لأن دخلها لا يكفيها فكيف تعمل وهي غير حاصلة على شهادة؟ وأنا أعلم ناسا من الملتزمين أوقفوا دراسة بناتهن بعد الابتدائيه أو الإعدادية وأجلسوهن فى البيت، ولكنني عندما أقرأ فى السيرة أرى أن النساء كان لهن دور فى الحياة، فكانت السيدة رفيدة تداوى جراح الصحابة فى الغزوات، وكانت السيدة أسماء بنت أبي بكر تعمل وتساعد زوجها، وفى قصة سيدنا موسى عليه السلام مع المرأتين اللتين كانتا تساعدان أباهما، لأنه كان شيخا كبيرا، وفى زماننا هذا تحتاج المرأة أن تساعد أهلها أو زوجها، فماذا تعمل وهي لم تكمل تعليمها؟ وأريد أن أوضح لسيادتكم شيئا فى البلد الذي أعيش فيه: فالمرأة إذا لم تكن لها شهادة واضطرت أن تعمل لظروف ما فليس لها إلا بعض الأشغال مثل العمل فى المحلات أو فى البيوت أو الأعمال الحرفية ـ وأنا هنا والله لا أحقر من هذه الأعمال ـ ولكنها تصعب على كثير من الناس، وحتى عند الزواج يشترط الرجل أن تكون المرأة متعلمة حاصلة على شهادة، لأنها ستربي أولاده، ولماذا تكون صورة الفتاة المسلمة الملتزمة أنها غير متعلمة وغير حاصلة على شهادة؟ ولماذا لا تكون ملتزمة بتعاليم دينها؟ وفى نفس الوقت متفوقة فتكون قدوة لغيرها من الفتيات.
فأرجو منكم الرد على رسالتي، وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فدراسة علم الطب من الدراسات المفيدة النافعة، جاء في سير أعلام النبلاء للذهبي، قال الشافعي: العلم علمان: علم الدين وهو الفقه، وعلم الدنيا وهو الطب، وما سواه من الشعر وغيره فعناء وعبث. انتهى.
ويزداد حسن هذا العلم إذا استحضر دراسه فيه النية الصالحة لا سيما من جانب المرأة المسلمة بأن تقصد من هذه الدراسة تطبيب النساء المسلمات وحفظ عوراتهن من أن يطلع عليها الرجال، لا شك أن هذا من الطاعات العظيمة والنيات الحسنة الصالحة.
أما عن حكم تعلم المرأة في المكان المختلط فهذا يختلف باختلاف نوع الاختلاط، فإن كان الاختلاط مباحاً بمعنى أن يكون الرجال والنساء في مكان واحد وتحت سقف واحد، لكن يتميز الرجال عن النساء بأماكن خاصة وتلتزم النساء بالحجاب الشرعي، والآداب الشرعية من ترك الخضوع بالقول والكلام لغير حاجة ونحو ذلك، فهذا جائز لا حرج فيه، أما إن كان الاختلاط على خلاف ذلك ـ كما هو الحاصل في بعض الجامعات في بلاد المسلمين ـ فهنا لا يجوز التعلم في هذه الجامعات إلا أن تتعين طريقاً لتلقي العلم بمعنى أنه لا يوجد غيرها يقوم مقامها، فإن تعينت جاز التعليم فيها بشروط منها:
1- أن تلتزم المرأة ـ أثناء دراستها ـ باللباس الشرعي الساتر للبدن، وقد بينا مواصفاته في الفتاوى التالية أرقامها: 6745، 9428، 13914.
2- أن تجتنب المخالفات الشرعية من خلوة بالرجال وخضوع معهم بالقول، بل تتجنب الكلام مع الرجال الأجانب أصلاً إلا ما لا بد منه فيقتصر الكلام حينئذ على قدر الحاجة.
3- أن تحاول المرأة تقليل حضورها قدر الإمكان في المحاضرات المختلطة فتقتصر على حضور ما لا بد لها من حضوره وما يسعها أن تتغيب عنه أو تحصله في بيتها فلتفعل ذلك تقليلاً لمفسدة الاختلاط بالرجال الأجانب.
4- أن تلتزم إنكار المنكر قدر الوسع والطاقة، فإذا وجدت من الفتيات من تفعل منكراً من التبرج أو الحديث المحظور مع الرجال ونحو ذلك فعليها أن تنكر عليها بأسلوب رفيق لين، وتذكرها بحرمة ما تفعله، فإن لم تقدر على الإنكار باللسان فلتنكر بقلبها، ومن لوازم الإنكار بالقلب أن تجتنب مخالطة هؤلاء العاصيات ومصاحبتهن ومجالستهن زجراً لهن عن هذه المخالفات.
فإذا التزمت المرأة هذه الضوابط فستسلم ـ إن شاء الله ـ من فتنة هذه الأماكن، قال سبحانه: وَمَن يتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق:2-3}.
لكن إن غلبتها نفسها ولم تقدر على دفع الفتنة عنها فحينئذ يلزمها ترك الدراسة في هذه الأماكن حفاظاً على دينها وأخلاقها، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 5310.
والله أعلم.