الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن المقصود من الاستبدال في الآية الكريمة هو التطليق للسابقة والتزوج من أخرى، كما بين ذلك أهل التفسير. قال البيضاوي في تفسيره: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج، تطليق امرأة وتزويج أخرى. وقال فيه صاحب الدر المنثور: إن كرهت امرأتك وأعجبتك غيرها فطلقت هذه وتزوجت تلك ...
ولما كان الطلاق في بعض الأحيان سببه إرادة التزوج من امرأة أخرى ناسب هذا التعبير بالاستبدال، ونهى الأزواج عن اضطرار الزوجة وتلجئتها إلى الافتداء بما أعطيت من صداق. قال ابن عاشور في تفسيره: إن لم يكن سبب للفراق إلا إرادة استبدال زوج بأخرى، فيلجئ التي يريد فراقها حتى تخالعه ليجد مالا يعطيه مهرا للتي رغب فيها، نهى عن أن يأخذوا شيئا مما أعطوه أزواجهم من مهر وغيره.
ثم إنه إذا حصل الخلاف بين الزوجين، ولم يمكن الإصلاح بينهما فإن من محاسن الإسلام في هذه الحالة إباحة الطلاق، وقد يرزق الله كلا منهما خيرا من صاحبه، قال الله تعالى: وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130}.
والطلاق مشروع عند اليهود كما قال صاحب موسوعة اليهود واليهودية : ولا تُحرِّم اليهودية الطلاق، ولكن لا يمكن للمطلقة الزواج إلا بعد الحصول على شهادة الجيط، أي القسيمة الشرعية للطلاق التي لا تَصدُر إلا بعد أن تتأكد المحكمة الحاخامية من أن المرأة قد طلقها زوجها فعلاً. اهـ. وقد كان معروفا عند العرب قبل الإسلام.
واعلم أن القرآن ليس فيه تناقض ولا اختلاف، لأن القرآن منزل من حكيم حميد خبير، وما قد يبدو للناظر القصير النظر من تعارض، إنما هو بحسب فهمه هو، لا أن الكتاب مختلف على الحقيقة، فالله يقول: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {النساء:82}
وهذه المسائل المذكورة في السؤال لا إشكال فيها فالكلام على نفي موت عيسى فصلناه في جواب السؤال رقم: 120643، كما تقدم الكلام عن قوله يا أخت هارون وعن نجاة امرأة نوح وعن ابنه وعن الذبيح في الفتوى رقم: 41214 والفتوى رقم: 17643 والفتوى رقم: 47237، والفتوى رقم: 112167.
وأما قوله تعالى: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ {البقرة:47} فهذا التفضيل نعمة من الله على بني إسرائيل حيث فضلهم على العالمين في زمانهم الأول حيث كان فيهم من الأنبياء في تلك الفترة والدعاة والمصلحين، ما لم يوجد في غيرهم من الأمم.
ولكن الله قد أخذ عليهم العهد بواسطة أنبيائهم إذا بعث نبي آخر الزمان أن يؤمنوا به ويتبعوه، فقال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ {آل عمران: 81}
وقد ختم الله الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ونسخ بشريعته كل الشرائع، وجعلها باقية إلى يوم القيامة، وأرسله بها إلى الناس كافة لا يقبل الله من أحد بعد مبعثه دينا غير الإسلام ، ولا يقبل إيمانا ببعض الرسل دون بعض؛ كما قال تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85}. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً {النساء: 47} وقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاًأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا {النساء: 150،151} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم.
وأما معارضة القرآن بالحكايات التاريخية فلا يقول به من له عقل، فإن القرآن كلام الله تعالى العليم الخبير وهو سبحانه أدرى بحال الناس الذين تحدث القرآن عنهم، ولا يخفى عليه شيء من حالهم، وهو بكل شيء عليم، يعلم ما كان وما يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون، فكل ما جاء في القرآن من أخبار أو نقل عن السابقين أو اللاحقين من أقوال فإنه حق وصدق لا تبديل فيه ولا تحريف ولا زيادة ولا نقص؛ كما قال الله تبارك وتعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا {النساء:87}. وقال تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً {النساء:122} وأما المؤرخون فإنما يعتمدون على روايات أحسنها ما كان مأخوذا من التوراة والإنجيل المحرفين ومنها ما هو مأخوذ من روايات لا سند لها ولا يوثق بصحتها.
والله أعلم.