الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الأمراض النفسية حقيقية، أم هي بُعد عن الدين؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شُخصت باضطراب ثنائي القطب النوع الثاني، واضطراب ما بعد الصدمة، حياتي متوقفة منذ أشهر، وبداخل نفسي لا أعترف بوجود هذه الاضطرابات، أتابع مع طبيب، ولكن أخشى أن يكون كل هذا بسبب قلة إيمانٍ مني وبُعد عن الله تعالى، ولا حاجة لي لأي علاج، فهل الأمراض النفسية حقيقية، أم هي بُعد عن الدين فقط؟ وهل أحاسب إن تركت العلاج لظني أنني بخير؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رؤى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية والشفاء.

رسالتك رسالة مهمّة جدًّا، وأنا أؤكد لك -أيتها الفاضلة الكريمة- أنه توجد أمراض نفسية، وتوجد أمراض عقلية، وتوجد اضطرابات في الشخصية، هذا أمرٌ أكيد، وهنالك ضوابط محددة لتشخيص هذه الحالات، وأنا أقول لك إن المرض النفسي أو العقلي مثلًا يُصيب البرّ والفاجر، ويُصيب المسلم وغير المسلم، يُصيب الغني ويُصيب الفقير، ويُصيب الأبيض ويُصيب الأسود، هذه أمراض مثلها مثل بقية الأمراض العضوية، كمرض السكر، أو الضغط.

لكن تُوجد بعض الفوارق، فالمسلم الملتزم والذي يستعين بربّه عند الشدائد؛ لا شك أن أمراضًا مثل المخاوف مثلًا، ومثل مرض عُسر المزاج، والاكتئاب، يستطيع أن يُقاومها بصورة أفضل من غيره، لكن الأمراض الوجدانية الحقيقية -مثل الاضطراب الوجداني ثنائي القطب، وكذلك مثل أمراض الفصام- فهذه حقيقةً نقول إن الجميع متساوٍ فيها؛ لأنها في الأصل أمراض بيولوجية، بمعنى أنها تنشأ من تغير في كيمياء الدماغ، وليس للنفس حقيقةً تدخُّل كبير فيها.

الشيء المهم أن المؤمن يتبع إرشادات الطبيب الثقة، وهذا أمرٌ مطلوب، الطبيب الثقة، الطبيب الذي يُعتبر خبيرًا وحاذقًا في عمله، يُعتبر مرشدًا في ما يتعلق بالعلاج، والمؤمن يجب أن يتبع ذلك، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها، والتداوي من أقدار الله، والأمراض من أقدار الله، فعليه أن يدفع أقدار الله بأقدار الله: (تداووا عباد الله، فإن الله ما أنزل من داءٍ إلَّا وأنزل له دواء).

فيا أيتها الفاضلة الكريمة: لا تُقلّلي من قيمة ما يذكره لك الطبيب، والأطباء المختصون المتميزون لا يلجؤون أبدًا للتشخيصات الكبيرة؛ إلَّا إذا كانوا على يقين تامٍّ من ذلك، فأنا أدعوك حقيقةً أن تتقبّلي التشخيص. والاضطراب الوجداني ثنائي القطب من الأمراض البسيطة، خاصةً إذا كان من النوع الثاني، أمَّا اضطراب ما بعد الصدمة، فهذا حقيقة يُعالج من خلال الإيمان، والصبر، وتحسين نمط الحياة، والتحرُّر من تبعات الماضي المؤلمة، وأن يعيش الإنسان الحاضر بقوة؛ لأن الحاضر أكثر قوةً وفائدةً من الماضي.

فهذه الحالات كلها -إن شاء الله تعالى- في نطاق العلاج، فأنا أقول لك: الأمراض النفسية حقيقية ولا شك في ذلك، ولا أتفق مع رأيك السديد -مع احترامي له- في أن البُعد عن الدّين يُسبب جميع هذه الأمراض، لا! فهذه الأمراض كثير منها يلعب الدور البيولوجي أو العضوي فيه الجزء الأكبر، لكن حقيقةً الالتزام بالدّين يُساعدُ كثيرًا في كثيرٍ من الحالات النفسية، كالخوف، والقلق، والاكتئاب مثلًا.

لا تتركي العلاج، تعاوني مع الطبيب من هذا السياق، وأنا أقول لك إن التدخُّل العلاجي المبكّر دائمًا يأتي بفوائد رائعة جدًّا في ما يتعلق بمآلات الصحة النفسية، و-بفضلٍ من الله تعالى- تُوجد الآن أدوية بسيطة وسليمة وفاعلة جدًّا، وليست إدمانية، ولا تضرُّ بالهرمونات النسائية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً