أنا أمٌ لثلاثة أطفال، عمري 31 سنةً، أريد أن أستشيركم بخصوص زوجي، هو متدين، وأحياناً يكون طيباً معي ومع أولاده، وحسن المعاملة، لكنه متقلب المزاج كثيراً؛ لدرجة ترعبني أنا وأولادي، ففي نفس اليوم مثلاً يتقلب مزاجه بسبب أو بدون سبب، فيغضب بسرعة كبيرة، ويقسو عليّ بالكلام الجارح والسخرية والاستبداد عليّ وعلى أولاده، بالشتم والضرب المبرح، لدرجة أن ابني البكر عمره ( 12 سنةً ) يرتعب خوفاً منه، ويكرهه أحياناً؛ مما سبب له العديد من المشاكل في نفسيته، منها: الخوف، والجبن، والبكاء بدون سبب، وضعف الشخصية، وغيرها.

لا أعرف كيف أتصرف مع هذه التقلبات المتطرفة، أصاب بالاكتئاب، والقلق، والكثير من الأمراض بعد كل مرة يؤذيني فيها أنا أو أولادي، اطلعت كثيراً على أمراض تقلبات المزاج الحدية، وثنائي القطب، والنرجسية، وغيرها، وكل مرة أستنتج أمراً، أحياناً يبدو لي أنه نرجسي الطبع، وأحياناً ثنائي القطب الخفيف، كل مرة يسوء فيها طبعه أكثر مع مرور السنوات!

لم يكن يعاملني هكذا في أول الزواج، لكن مع كثرة المشاكل العائلية أصبح يسوء طبعه وأخلاقه معنا، ومع آخرين أيضاً، هو لا يريد الاستشارة أبداً مع أحد، بل يقول لي أعرف أنني عصبيٌ، وأنني أصبح شخصاً آخر عندما أغضب، وأنني عنيدٌ ومتحكمٌ، ولكنه أمرٌ عاديٌ، أنت حساسة!

الكل يشهد من أهلي وأهله على قسوته، وسوء تعامله، فكيف أتعامل معه؟ وكيف أتعامل مع أولادي عندما يمر والدهم بنوبات الغضب الثائرة هذه؟ وما هو الحل؟ وهل الطلاق حل لحماية نفسي وأولادي من الأمراض النفسية لا قدر الله؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ كنزة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في استشارات إسلام ويب.
نسأل الله تعالى لك ولأسرتك ولزوجك وأولادك التوفيق والسداد.

ذكرت أن هنالك إجماعاً من الأهل على أن زوجك الكريم لديه هذه الانفعالات السلبية والانفعالات العصبية، وقطعًا هذه تُعكّر المزاج العام في البيت، وربما تكون لها أيضًا تبعات تربوية سلبية على الأولاد.

أنا لا أريد أبدًا أن أشخّص حالة هذا الرجل، ولا أدعوك أن تضعي أي تشخيصات عليه، خاصةً تشخيصات مثل الشخصية النرجسية أو الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية؛ لأنه إذا بُنيت لديك هذه الانطباعات سوف تكون مُعيقة جدًّا، وإذا وضعناه في خانة الرجل المريض نفسيًّا بإحدى هذه الظواهر أو الأمراض؛ هذا أعتقد أنه سوف يؤدي إلى المزيد من الضرر الأسري.

طبعًا الشيء الصحيح هو أن يتم تقييمه بواسطة طبيب مختص في الصحة النفسية، وكما تفضلت وذكرت هو لن يقبل ذلك، بقي بعد ذلك أن يتكلّم معه أحد من الأهل، مثلاً من إخوانه، من الناس القريبين إليه، دون أن يشعر أن هناك إيعازاً منك، يتكلم معه بكل مودة وبكل تقدير واحترام، ويشرح له أننا نلاحظ عليك هذه العصبية الزائدة أو عدم الارتياح، فلماذا لا نذهب أو يذهب إلى الطبيب – طبيب الأسرة مثلاً – ليقوم بإجراء فحوصات عامة بالنسبة لك، يتأكد من مستوى وظائف الغدة الدرقية، وفيتامين (د) وفيتامين (ب12)؛ لأن هذه كلها الخلل فيها قد يؤدي أيضًا إلى توترات وظواهر نفسية.

ومن ثم يمكن لطبيب الأسرة مثلاً أن ينصحه أن يقابل الطبيب النفسي، يكون هنالك نوع من الاتفاق مع طبيب الأسرة على ذلك، وطبيب الأسرة لن يُمانع أبدًا في أن يحوله، ومعظم أطباء الأسرة الآن لديهم معرفة جيدة جدًّا لكثير من الحالات النفسية، خاصة الحالات المعروفة، مثل تقلب المزاج، أو الاضطراب الوجداني ثنائي القطب، أو الشخصية المزاجية كما يُسمُّونها.

هذه إحدى الوسائل، شخصٌ مُعيّنٌ قريبٌ له، يكلّمه في خصوصيّة تامّة، وبإتقانٍ وحذرٍ شديدٍ، وعلى ضوء ذلك يمكن أن يقبل أن يذهب إلى الطبيب.

أيضًا إمام المسجد، يمكن أن يكون شخصًا مفيدًا جدًّا في مثل هذه الحالات، ينصحه، ويطلب منه أن يذهب للطبيب، أعتقد أن هذا سيكون مقبولاً جدًّا، طبعًا إمام المسجد يحتاج أن يكلمه أحدٌ من أسرتك، أحد إخوانك أو والدك، أو أي أحد يمكن أن يكون شخصًا له معرفة بإمام المسجد.

وطبعًا الوسيلة الثالثة هي أن يكون التحرُّك من قبلك أنت، أن تتخيري اللحظات الطيبة، اللحظات المزاجية الطيبة لديه، وبكل ودٍّ وعطفٍ تتحدثين معه حول هذا الموضوع، قائلة: (الحمد لله نحن نراك شخصًا ممتازًا، لكنّك في بعض الأحيان قد تأتيك بعض الانفعالات البسيطة، وهذا الأمر أصبح له تبعات على الأطفال، وقد سمعنا أن الأطباء النفسيين يمكن أن يُساعدوا في هذا السياق، حتى وإن كان الإنسان ليس مريضًا مرضًا نفسيًّا).

تقريبًا هذه هي الوسائل التي ننصح بها، وطبعًا في بعض الأحيان إذا كان الأمر فعلاً يُشكّل خطورةً وصعوبةً شديدةً -أنا لا أدعوك لذلك- لكن في بعض الأحيان، مع بعض الناس الذين نقوم بفحصهم مباشرة ويرفضون الذهاب، أو نسمع عنهم من ذويهم ويأتوننا، نقول للزوجة: اذهبي إلى بيت أهلك، وهو سوف يأتي ويسأل عنك ويبحث عنك ويتكلم مع أهلك، ويمكن بعد ذلك أن يكون هناك حديث واضح وصريح، وتكون الأمور مكشوفة على السطح بأنه يحتاج لأن يقابل طبيبًا نفسيًّا؛ لأنه ربما يكون مكتئبًا، وربما يكون لديه إشكالات فحصية... وهكذا.

إذًا هذه السبل المتاحة، وعليك بالدعاء له، وعليك أن تكوني أيضًا أكثر حصافة في أن تكوني دائمًا إيجابية معه، مثلاً: حين تأتيه نوبات الانفعال هذه حاولي أن تسعي إلى تهدئته بكل لطف وبكلمات طيبة، ويمكن أيضًا ابنك الأكبر مثلاً – وعمره 12 عامًا – يتكلّم معه في الوقت المناسب: (يا أبي لماذا أنت تنفعل لهذه الدرجة؟ نحن نحزن كثيرًا لذلك يا والدي...) وهكذا.

هذه كلها منهجيات ممكن أن تكون مفيدة جدًّا، ولا تنزعجي إذا فشلت المحاولة الأولى وحتى الثانية، الإنسان يحاول ويحاول إلى أن يصل مبتغاه إن شاء الله.

قطعًا الطلاق -وإن كان هو أبغض الحلال عند الله- لكن لا ندعوك أبدًا للاستعجال لهذا الأمر، ولا تجعلي هذا الأمر دائمًا يشغل تفكيرك - أي أمر الطلاق - قبل أن تحاولي هذه المحاولات التي ذكرناها لك؛ لأنك إن اعتمدت على الطلاق، وكان لك القصد والنية نحو هذا الأمر لن تفكري في أي حلول أخرى، فلا تغلقي الباب أبدًا، وفرص الإصلاح -إن شاء الله- موجودة، وحاولي أن يستمر زواجك، خاصة لوجود الأبناء والبنات.

سوف يفيدك أيضًا الشيخ الأخ الدكتور أحمد الفرجابي، وهو مستشار أسري بارع جدًّا، سوف يُوجّه لك الإرشادات والنصائح التي أرجو أن تأخذي بها.

نرحب بك مرة أخرى بإسلام ويب، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لكم التوفيق والسداد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الدكتور محمد عبدالعليم، استشاري أول الطب النفسي/ تليها إجابة الشيخ أحمد الفرجابي، المستشار الأسري والتربوي:

مرحبًا بك – ابنتنا الفاضلة – في الموقع، ونشكر لك التواصل والاهتمام والحرص، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يهدي زوجك لأحسن الأخلاق، وأن يكتب له العافية من الآفات والأمراض، وأن يُعينكم على تجاوز هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها الأسرة، وستسعدين -إن شاء الله- بإجابة الدكتور النفسي دكتورنا محمد المختص، ونسأل الله أن ينفع به بلاده والعباد.

ولكني أتمنى أن يكون في الأمر وضوح أكثر، ولو استطعنا أن نعرف تاريخ هذا التغيُّر، فيبدو أن الأمور كانت طيبة ثم تغيّرت، هذا الذي فهمناه.
الأمر الثاني: هل تستطيعين أن تُحددي اللحظات التي يتغيّر فيها؟
بمعنى: هل هناك أشياء تُغضبه وإذا غضب تحوّل إلى الحالة المذكورة؟

وكنَّا أيضًا نحب أن نعرف هل يعتذر بعد هذا الذي يحدث؟ وتشعرين أنه أصبح طبيعيًّا ويشعر ويتألّم لما حدث من تقصير منه؟ وهل هو في الأوضاع الطبيعية محبٌّ لأبنائه حريص عليهم، يعني: يقوم بواجباته كاملة تجاههم؟

هذه الأسئلة ستكون من الأهمية بمكان الإجابة عليها، والذي يهمُّنا هو: هل تستطيعين التكيُّف معه؟ لأنا لا نريد الطلاق كخيار، بل نريد أن تساهمي في التصحيح والعلاج معه، شريطة أن تجدي الحماية لك ولأبنائك؛ لأن حمايتك وحماية الأبناء من آثار هذه التصرفات التي تحدث منه من الأمور الأساسية، حتى لا يُصابوا بعاهات وعلل تطول معهم في العموم خلال مسيرتهم وهم في شبابهم يُقبلون على هذه الحياة.

وعلى كل حال: نتمنَّى أن تُكثري من الدعاء واللجوء إلى الله تبارك وتعالى.

ثانيًا: عليك أن تستفيدي من إجابة الطبيب المختص، ثم نقترح أن تتواصلوا مع أطباء أيضًا في هذا المجال.

ثالثًا: أرجو أن تُصلحوا ما بينكم وبين الله -تبارك وتعالى- لأنه إذا توجّه الإنسان إلى الله، وأصلح ما بينه وبين الله، وحرصتم على ذكر الله، وقراءة الأذكار، والتحصينات في الصباح والمساء؛ فنرجو أن يكون في هذا الأمر أعظم الأثر؛ لأنها نافعةٌ في كل الأحوال فيما نزل وفيما لم ينزل، أذكار الصباح والمساء، وأذكار الأحوال التي علَّمنا إيَّاها رسولنا ﷺ، فيها الحماية وفيها الصيانة -بإذن الله تبارك وتعالى- وفيها المساعدة على التخلص من الآفات والأمراض.

كذلك أيضًا من المهم جدًّا أن يصلنا توضيح أكثر عن رأي الأسرة، رأي أسرته، والإشارة واضحة إلى أنه أحيانًا له مشاكل مع أطراف خارجية، فيا ترى هل هذه الأطراف الخارجية هل هناك أمورٌ تثير غضبه؟ ولفت نظرنا أنه يزعم أنك شديدة الحساسية، ونحن بلا شك نصدق ما قلتِ، ولكن إلى أي مدى هو يعتبر عندك شدة حساسية، وأنك لا تريدين أن تتجاوزي بعض المواقف التي يبدو أنها تظهر عنده عاديةً.

هذه كلها من الأمور المهمة، وأنت طبعًا أعرف الناس بزوجك وبإمكانية التأقلم والتكيُّف معه، والطبيب سيفيدك في إمكانية العلاج، وتأخذين التوجيهات المفيدة في هذا الاتجاه.

نكرر دعوتنا لك أن تكون الاستشارة فيها مزيد من التوضيح، ولا نؤيد الاستعجال في الطلاق، ولكن إذا كان هناك خطورة فيمكن أن يحدث فيها فترة البُعد عنه حتى يصل إلى علاج ناجع لهذا الذي يحدث منه، وبعد ذلك تستأنفون حياتكم الزوجية بعد أن يبلغ العافية؛ لأنا نخشى أن يكون في الطلاق والبُعد عنه زيادة سالبة في المرض ومضاعفاته.

نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.