الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التوفيق بين طموح الفرد ورعاية مصالح أهله

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.‏

أنا شابٌ في الـ19 من العمر، وفي السنة النهائية في الكلية (علوم سياسية)، ابنٌ وحيد ومع أختين أكبر ‏مني، لذلك فأنا الأصغر والولد الوحيد، تعيش معنا في نفس البيت -فهو بيت ملك- عمتان غير متزوجتين، ‏وعمي الذي أصابته حالة نفسية سيئة بسبب وفاة زوجته، وظروف أخرى، وأصبح ينام معظم الوقت ‏ويحتاج رعاية متواصلة، وهو الدور الذي تقوم به عماتي.‏
ومعي بالطبع أمي وأبي الذي يعتبر كبيراً في السن، حيث أنه تجاور الستين، لذلك فكما ترى ليس لي أبناء ‏عمومة ولا أبناء عمات، ولا أخ ذكر، ولذلك فالمسئولية بعد أبي -أطال الله في عمره- هي على عاتقي ‏أنا.‏

المشكلة شيخي العزيز هي أنه كان لي طموح في هذه الدنيا، خاصةً وأن تخصص دراستي يجعل عملي ‏يستلزم أن أذهب للعمل في القاهرة، وأنا من مركز في محافظه في الصعيد، بالإضافة إلى طموحي في إكمال ‏دراسات عليا بالخارج... وغيرها من الطموحات التي قد يحلم بها أي شاب، ولكن بسبب كبر سن أبي، ‏وفي نفس الوقت وجود عماتي وعمي وأمي وأختيّ؛ فإنهم بحاجه إلى راعي يراعي مصالحهم ويلبي ‏مطالبهم، وهو أنا؛ لأنه لا يوجد عائل لهم سوى أبي وأنا بعده، وعلى هذا فطموحاتي لا يمكن أن تتحقق ‏بوجود هذه المسئولية؛ لأنها تحتاج لتواجدٍ دائم في نفس المركز الذي نعيش فيه لرعاية مصالحهم؛ لأننا ‏والحمد لله نمتلك أرض زراعيه تحتاج من يرعاها، هذا هو جانب من المشكلة.‏

الجانب الثاني: بما أنني الولد الوحيد والصغير، وبسبب اقتناع أبي بأنه ما دام على قيد الحياة؛ فإنه يستطيع ‏رعايتنا، فإنه لا يجب علي فعل أي شيء، ولذلك نشأت وتربيت على ألا أتحمل أي مسئولية في البيت، ‏ولذلك فأنا الآن لا أعلم أي شيء عن مصالح البيت أو حتى عن الأرض أو كم عددها، أو حتى أين ‏موقعها!‏

كنت دائم المحاولة مع أبي منذ سنين أن يعطيني الفرصة لأحاول معرفه ما سوف أتحمله على عاتقي في ‏المستقبل، ولكنه كان دائم الرفض، ولكبر سنه وخوفاً من غضبه علي كنت أستسلم وأقبل وأسكت، رغم ‏معرفتي التامة بالمشاكل التي سوف تحدث بسبب قله خبرتي في الحياة، وعدم معرفتي بأي شيء عن أملاكنا ‏أو مصالحنا.‏

أنا راض بما قسمه لي ربي والحمد لله، وأؤمن أن الطموح يجب أن يتراجع إلى مرتبة أقل إذا أتت المسئولية، ‏خاصةً وأنها مسئولية عن عائله بأكملها، ولذا فأنا راضٍ والحمد لله، مع أنه أحياناً يعتريني بعض الحزن ‏والضيق، لكن الله معي يطمئنني ويعينني، والحمد لله فأنا محافظٌ على الصلاة والدعاء وقراءة القرآن.‏

لكن المشكلة التي لم أجد لها حلاً هي استمرار رفض أبي في أنه من حقي معرفة ما سوف أتحمله مستقبلاً، ‏فأنا كما ذكرت لا أعرف شيئاً الآن عن مصالح البيت.‏

ولذلك لو حصل -لا قدر الله- أن توفي والدي -أسأل الله أن يطيل عمره- فإنها سوف تكون مصيبة ‏كبرى علي؛ بسبب فقد أبي الحبيب، وبسبب أنني سوف أصبح في مواجهة مباشره مع شيء لا أعلم عنه ‏أي شيء كما سبق وأن أوضحت‎‏.

أرشدوني أفادكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ مروان حفظه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

نسأل الله أن يطيل عمر والدك في طاعته، وأن يرزقك بر والديك والإحسان إليهما، وأن يعيننا وإياك على ذكره وشكره وحسن عبادته.

فهنيئاً لمن يوقن أن الله معه يُعينه ويؤيده، وكفى بالله وكيلاً وحافظاً وشهيداً، وشكراً لك على هذه الرغبة في التضحية، والحرص على خدمة ورعاية الوالدين والأعمام والعمات، وتحمل المسئولية والتبعات.

وليس في إصرار الوالد على عمل كل شيء، والتكتم على الأملاك والأسرار مصلحة لأحد، ونحن نتمنى أن تُعالج الموقف بحكمة، وأن تفسّر موقف الوالد بأحسن الاحتمالات، وأرجو أن تعلم أن ذلك من باب الحرص الشديد والشفقة الكبيرة عليك، فتلطف في الوصول إلى ما تريد، واحرص على مصاحبته والجلوس إلى جواره؛ حتى تتعلم منه في صمت ودون أن يشعر أنك تستعجل وراثته؛ فإن الإنسان يكبر معه حرصه وتشبثه بالحياة.

ولا شك أن خدمة الأسرة مقدمة على غيرها، ولن يضيع الله من يحسن إلى والديه وأرحامه، ولا مانع من تأخير الدراسات العليا إذا لزم الأمر، وسوف تستفيد جداً من دخولك إلى معترك الحياة، واجتهد في إعداد نفسك للمستقبل، وأبشر فإن طريقتك في التفكير واهتمامك بمعرفة الكثير والكثير من علامات نحاجك مستقبلاً بإذن الله.

وإذا تذكر الإنسان مشاكل الآخرين هانت عليه مصائبه، ووجد في ذلك ما يُعينه على الصبر والثبات، فتوكل على الحي الذي لا يموت، وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً.

وإذا حرص المسلم على طاعة ربه كان الله معه، فإنه سبحانه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، فاحفظ الله يحفظك، واحفظ الله تجده أمامك.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً