سورة الذاريات هي السورة الواحدة والخمسون بحسب ترتيب المصحف العثماني، وهي السورة السادسة والستون بحسب ترتيب نزول السور، نزلت بعد سورة الأحقاف، وقبل سورة الغاشية. وعدد آياتها ستون آية، وهي سورة مكية.
تسميتها
تسمى هذه السورة (والذاريات) بإثبات (الواو) تسمية لها بحكاية الكلمتين الواقعتين في أولها {والذاريات ذروا} (الذاريات:1)، وبهذا عنونها البخاري في كتاب التفسير من "صحيحه" وابن عطية في "تفسيره" والكواشي في "تلخيص التفسير" والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن". وتسمى أيضاً (سورة الذاريات) بدون (الواو) اقتصاراً على الكلمة التي لم تقع في غيرها من سور القرآن، وكذلك عنونها الترمذي في "جامعه" وجمهور المفسرين، وكذلك هي في المصاحف المشرقية والمغربية. ووجه التسمية أن هذه الكلمة لم تقع بهذه الصيغة في غيرها من سور القرآن.
مقاصدها
بدأت السورة بالقَسَم على تحقيق الوعيد، الذي خُتِمَت به سورة الحجرات قبلها؛ لرعاية التناسب بين ختام سورة الحجرات السابقة لها، وابتداءها.
وموضوع السورة يدور حول متابعة معالجة منكري البعث والجزاء يوم الدين إبان التنزيل؛ إذ يوجد فيهم من لم يصلوا بعدُ إلى مرحلة ميؤوس منهم معها. والسورة على الجملة تضمنت المقاصد التالية:
- تحقيق وقوع البعث والجزاء، وإبطال مزاعم المكذبين به وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ورميهم بأنهم يقولون بغير تثبت، ووعيدهم بعذاب يفتنهم.
- وَعْدُ المؤمنين بنعيم الخلد، وذِكْر ما استحقوا به تلك الدرجة من الإيمان والإحسان.
- قَسَمُ الله سبحانه بمخلوقات من مخلوقاته، لها آثارها الواضحة، وظواهرها الشاهدة، ومنافعها التي لا ينكرها أحد، ولا يجحد عقلٌ فضلها على الإنسان، والحيوان، والنبات؛ فإن الرياح تسوق الأمطار إلى جميع الأقطار، وتدفع السفن في البحار، تحمل الأمتعة والأثقال والمسافرين، وتمخر عباب البحار، فتسهل كل صعب، وتقرب كل بعيد، كل هذا مما يقع تحت العِيان، ولا يستطيع أَن ينكره إنسان، كما أَن ما يتفاوت الناس فيه من أحوال، وما يجري عليهم من أحداث، وما يختلفون فيه من منازل وأرزاق، لا يكون إلاَّ بتقدير العزيز العليم، وبتسخير من الحكيم الخبير.
- عَرْضُ مشهد ترغيبي من مشاهد يوم القيامة يتعلق بعباده المتقين، الذين بلغوا مرتبة الإحسان بأعمالهم في رحلة امتحانهم، وهم يُنعَّمُون في جنات وعيون، آخذين ما آتاهم ربهم من فيوض عطاءاته.
- حثٌّ على التفكر في آيات ربوبية الله وإلهيته في الأرض وفي الأنفس، موجَّه من الله بالخطاب المباشر للذين لم يؤمنوا بعدُ، ويتوهمون أن آلهتهم من دون الله، هي التي ترزقهم من الأرض، فأبان الله لهم أن رزقهم في السماء بأوامر ربانية، وكذلك ما يوعدون من جزاء بأوامر ربانية، وأقسم سبحانه بربوبيته للسماء والأرض على أن هذا حق مماثل لما ينطقون بألسنتهم في حركة حياتهم.
- اختصت السورة طائفة من الرسل اشتدت معاناتهم مع أُممهم وأقوامهم، فذكرت إبراهيم، وموسى عليهما السلام، وعرضت للأمم، التي أوغلت في الطغيان، وأُغرقت في التجبر من أمثال عاد، وثمود، وقوم نوح، فلاقت أشد النكال، وأسوأ المآل.
- حديثٌ عن مظاهر القدرة ببناء السموات وامتدادها، وفرش الأرض، وبسطها، وتمهيدها، وتعدد المخلوقات وازدواجها، مما لا يتحقق إلا بقدرة لا يقادر قدرها، وحكمة لا يدرك كنهها، ويقين يدفعنا إلى صدق الإيمان، ويسوقنا إلى الفرار إلى الله، والاعتماد عليه دون سواه.
- خُتمت السورة ببيان الغرض الأسمى، والمقصد الأعلى، والغاية العليا من خلق الإنسان والجان، وهي توحيد الله وعبادته، ثم تهديد الكافرين بسوء العاقبة والمصير.