آ. (21) قوله: والذين آمنوا : فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه مبتدأ، والخبر الجملة من قوله: ألحقنا بهم ذريتهم والذرية هنا تصدق على الآباء وعلى الأبناء أي: إن المؤمن إذا كان عمله أكبر ألحق [ ص: 71 ] به من دونه في العمل، ابنا كان أو أبا، وهو منقول عن وغيره. والثاني: أنه منصوب بفعل مقدر. قال ابن عباس : "على تقدير وأكرمنا الذين آمنوا". قلت: فيجوز أن يريد أنه من باب الاشتغال وأن قوله: أبو البقاء ألحقنا بهم ذريتهم مفسر لذلك الفعل من حيث المعنى، وأن يريد أنه مضمر لدلالة السياق عليه، فلا تكون المسألة من الاشتغال في شيء.
والثالث: أنه مجرور عطفا على "حور عين". قال : "والذين آمنوا" معطوف على "حور عين" أي: قرناهم بالحور وبالذين آمنوا أي: بالرفقاء والجلساء منهم، كقوله: الزمخشري إخوانا على سرر متقابلين فيتمتعون تارة بملاعبة الحور، وتارة بمؤانسة الإخوان. ثم قال : "ثم قال تعالى: الزمخشري بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم أي: بسبب إيمان عظيم رفيع المحل وهو إيمان الآباء ألحقنا بدرجتهم ذريتهم، وإن كانوا لا يستأهلونها تفضلا عليهم".
قال الشيخ : "ولا يتخيل أحد أن "والذين آمنوا" معطوف على "بحور عين" غير هذا الرجل، وهو تخيل أعجمي مخالف لفهم العربي القح وغيره". قلت: أما ما ذكره ابن عباس من المعنى فلا شك في حسنه ونضارته، وليس في كلام العربي القح ما يدفعه، بل لو عرض على أبو القاسم وغيره لأعجبهم. وأي مانع معنوي أو صناعي يمنعه؟ ابن عباس
[ ص: 72 ] وقوله: واتبعتهم يجوز أن يكون عطفا على الصلة، ويكون "والذين" مبتدأ، ويتعلق "بإيمان" بالاتباع بمعنى: أن الله تعالى يلحق الأولاد الصغار، وإن لم يبلغوا الإيمان، بأحكام الآباء المؤمنين. وهذا المعنى منقول عن ابن عباس . ويجوز أن يكون معترضا بين المبتدأ والخبر، قاله والضحاك . ويجوز أن يتعلق "بإيمان" بألحقنا كما تقدم. فإن قيل: قوله: "اتبعتهم ذريتهم" يفيد فائدة قوله: الزمخشري ألحقنا بهم ذريتهم . فالجواب أن قوله: "ألحقنا بهم" أي: في الدرجات والاتباع إنما هو في حكم الإيمان، وإن لم يبلغوه كما تقدم. وقرأ و"وأتبعناهم" بإسناد الفعل إلى المتكلم المعظم نفسه. والباقون "واتبعتهم" بإسناد الفعل إلى الذرية وإلحاق تاء التأنيث. وقد تقدم الخلاف في إفراد "ذريتهم" وجمعه في سورة الأعراف محررا بحمد الله تعالى. أبو عمرو
قوله: ألتناهم قرأ "ألتناهم" بكسر اللام، والباقون بفتحها. فأما الأولى فمن ألت يألت بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع كعلم يعلم. ابن كثير:
وأما الثانية فتحتمل أن تكون من ألت يألت كضرب يضرب، وأن تكون من ألات يليت كأمات يميت، فألتناهم كأمتناهم.
[ ص: 73 ] وقرأ "آلتناهم" بألف بعد الهمزة، على وزن أفعلناهم. يقال: آلت يؤلت كآمن يؤمن. ابن هرمز وعبد الله وأبي والأعمش وتروى عن وطلحة، "لتناهم" بكسر اللام كبعناهم يقال: لاته يليته، كباعه يبيعه. ابن كثير
وقرأ طلحة أيضا "لتناهم" بفتح اللام. قال والأعمش سهل: "لا يجوز فتح اللام من غير ألف بحال"، ولذلك أنكر "آلتناهم" بالمد: وقال: "لا يدل عليها لغة ولا تفسير". وليس كما زعم; بل نقل أهل اللغة: آلت يؤلت. وقرئ "ولتناهم" بالواو كـ "وعدناهم" نقلها هارون . قال ابن خالويه: "فيكون هذا الحرف من لات يليت، وولت يلت، وألت يألت، وألت يألت، وألات يليت. وكلها بمعنى نقص. ويقال: ألت بمعنى غلظ. وقام رجل إلى يعظه فقال له رجل: "لا تألت أمير المؤمنين أي: لا تغلظ عليه". قلت: ويجوز أن يكون هذا الأثر على حاله، والمعنى: لا تنقص أمير المؤمنين حقه، لأنه إذا أغلظ له القول نقصه حقه. عمر
قوله: من عملهم من شيء "من شيء" مفعول ثان لـ "ألتناهم" و"من" مزيدة فيه. والأولى في محل نصب على الحال من "شيء" لأنها في الأصل صفة له، فلما قدمت نصبت حالا. وجوز أن يتعلق بـ "ألتناهم" وليس بظاهر. وفي الضمير في "ألتناهم" وجهان، أظهرهما: أنه عائد على المؤمنين. والثاني: أنه عائد على أبنائهم. قيل: ويقويه قوله: أبو البقاء كل امرئ بما كسب رهين .