[ ص: 722 ] [ القسم الثاني ]
[ النظر في الواجب في القصاص ]
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=9192_9194القول في الموجب : فاتفقوا على أن لولي الدم أحد شيئين : القصاص ، أو العفو إما على الدية وإما على غير الدية . واختلفوا هل الانتقال من القصاص إلى العفو على أخذ الدية هو حق واجب لولي الدم دون أن يكون في ذلك خيار للمقتص منه ، أم لا تثبت الدية إلا بتراضي الفريقين ( أعني : الولي والقاتل ) ، وأنه إذا لم يرد المقتص منه أن يؤدي الدية لم يكن لولي الدم إلا القصاص مطلقا أو العفو .
فقال
مالك : لا يجب للولي إلا أن يقتص أو يعفو عن غير دية إلا أن يرضى بإعطاء الدية للقاتل ، وهي رواية
ابن القاسم عنه ، وبه قال
أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي وجماعة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ،
وداود وأكثر فقهاء المدينة من أصحاب
مالك وغيره : ولي الدم بالخيار إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية ، رضي القاتل أو لم يرض ، وروى ذلك
أشهب عن
مالك ، إلا أن المشهور عنه هي الرواية الأولى .
فعمدة
مالك في الرواية المشهورة حديث
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك في قصة سن الربيع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006813كتاب الله القصاص " فعلم بدليل الخطاب أنه ليس له إلا القصاص .
وعمدة الفريق الثاني حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة الثابت : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006814من قتل له قتيل فهو بخير النظرين بين أن يأخذ الدية وبين أن يعفو " ، هما حديثان متفق على صحتهما ، لكن الأول ضعيف الدلالة في أنه ليس له إلا القصاص .
والثاني نص في أن له الخيار ، والجمع بينهما يمكن إذا رفع دليل الخطاب من ذلك ، فإن كان الجمع واجبا وممكنا فالمصير إلى الحديث الثاني واجب .
والجمهور على أن الجمع واجب إذا أمكن وأنه أولى من الترجيح ، وأيضا فإن الله - عز وجل - يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29ولا تقتلوا أنفسكم ) وإذا عرض على المكلف فداء نفسه بمال فواجب عليه أن يفديها ، أصله إذا وجد الطعام في مخمصة بقيمة مثله وعنده ما يشتريه ( أعني : أنه يقضى عليه بشرائه ) ، فكيف بشراء نفسه ؟ ويلزم على هذه الرواية إذا كان للمقتول أولياء صغار وكبار أن يؤخر القتل إلى أن يكبر الصغار فيكون لهم الخيار ، ولا سيما إذا كان الصغار يحجبون الكبار مثل البنين مع الإخوة .
وقال القاضي : وقد كانت وقعت هذه المسألة بقرطبة حياة جدي - رحمه الله - ، فأفتى أهل زمانه بالرواية المشهورة ، وهو أن لا ينتظر الصغير ، فأفتى هو - رحمه الله - بانتظاره على القياس ، فشنع أهل زمانه ذلك عليه لما كانوا عليه من شدة التقليد حتى اضطر أن يضع في ذلك قولا ينتصر فيه لهذا المذهب وهو موجود بأيدي الناس .
والنظر في هذا الباب هو في قسمين : في العفو والقصاص .
[ ص: 722 ] [ الْقِسْمُ الثَّانِي ]
[ النَّظَرُ فِي الْوَاجِبِ فِي الْقِصَاصِ ]
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=9192_9194الْقَوْلُ فِي الْمُوجَبِ : فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لِوَلِيِّ الدَّمِ أَحَدَ شَيْئَيْنِ : الْقِصَاصُ ، أَوِ الْعَفْوُ إِمَّا عَلَى الدِّيَةِ وَإِمَّا عَلَى غَيْرِ الدِّيَةِ . وَاخْتَلَفُوا هَلِ الِانْتِقَالُ مِنَ الْقِصَاصِ إِلَى الْعَفْوِ عَلَى أَخْذِ الدِّيَةِ هُوَ حَقٌّ وَاجِبٌ لِوَلِيِّ الدَّمِ دُونَ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ خِيَارٌ لِلْمُقْتَصِّ مِنْهُ ، أَمْ لَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ إِلَّا بِتَرَاضِي الْفَرِيقَيْنِ ( أَعْنِي : الْوَلِيَّ وَالْقَاتِلَ ) ، وَأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُرِدِ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ أَنْ يُؤَدِّيَ الدِّيَةَ لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّ الدَّمِ إِلَّا الْقِصَاصُ مُطْلَقًا أَوِ الْعَفْوُ .
فَقَالَ
مَالِكٌ : لَا يَجِبُ لِلْوَلِيِّ إِلَّا أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ عَنْ غَيْرِ دِيَةٍ إِلَّا أَنْ يَرْضَى بِإِعْطَاءِ الدِّيَةِ لِلْقَاتِلِ ، وَهِيَ رِوَايَةُ
ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ ، وَبِهِ قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيُّ وَجَمَاعَةٌ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ،
وَأَحْمَدُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وَأَبُو ثَوْرٍ ،
وَدَاوُدُ وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ مِنْ أَصْحَابِ
مَالِكٍ وَغَيْرِهِ : وَلِيُّ الدَّمِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ ، رَضِيَ الْقَاتِلُ أَوْ لَمْ يَرْضَ ، وَرَوَى ذَلِكَ
أَشْهَبُ عَنْ
مَالِكٍ ، إِلَّا أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُ هِيَ الرِّوَايَةُ الْأُولَى .
فَعُمْدَةُ
مَالِكٍ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ سِنِّ الرُّبَيِّعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006813كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ " فَعَلِمَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْقِصَاصُ .
وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ الثَّابِتُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006814مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ وَبَيْنَ أَنْ يَعْفُوَ " ، هُمَا حَدِيثَانِ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِمَا ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ ضَعِيفُ الدَّلَالَةِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْقِصَاصُ .
وَالثَّانِي نَصٌّ فِي أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا يُمْكِنُ إِذَا رُفِعَ دَلِيلُ الْخِطَابِ مِنْ ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ الْجَمْعُ وَاجِبًا وَمُمْكِنًا فَالْمَصِيرُ إِلَى الْحَدِيثِ الثَّانِي وَاجِبٌ .
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ وَاجِبٌ إِذَا أَمْكَنَ وَأَنَّهُ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ ، وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) وَإِذَا عُرِضَ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِدَاءُ نَفْسِهِ بِمَالٍ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهَا ، أَصْلُهُ إِذَا وَجَدَ الطَّعَامَ فِي مَخْمَصَةٍ بِقِيمَةِ مِثْلِهِ وَعِنْدَهُ مَا يَشْتَرِيهِ ( أَعْنِي : أَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِشِرَائِهِ ) ، فَكَيْفَ بِشِرَاءِ نَفْسِهِ ؟ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِذَا كَانَ لِلْمَقْتُولِ أَوْلِيَاءُ صِغَارٌ وَكِبَارٌ أَنْ يُؤَخِّرَ الْقَتْلَ إِلَى أَنْ يَكْبَرَ الصِّغَارُ فَيَكُونَ لَهُمُ الْخِيَارُ ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الصِّغَارُ يَحْجُبُونَ الْكِبَارَ مِثْلَ الْبَنِينَ مَعَ الْإِخْوَةِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ كَانَتْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِقُرْطُبَةَ حَيَاةَ جَدِّي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، فَأَفْتَى أَهْلُ زَمَانِهِ بِالرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ ، وَهُوَ أَنْ لَا يُنْتَظَرَ الصَّغِيرُ ، فَأَفْتَى هُوَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِانْتِظَارِهِ عَلَى الْقِيَاسِ ، فَشَنَّعَ أَهْلُ زَمَانِهِ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ التَّقْلِيدِ حَتَّى اضْطُرَّ أَنْ يَضَعَ فِي ذَلِكَ قَوْلًا يَنْتَصِرُ فِيهِ لِهَذَا الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَوْجُودٌ بِأَيْدِي النَّاسِ .
وَالنَّظَرُ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ فِي قِسْمَيْنِ : فِي الْعَفْوِ وَالْقِصَاصِ .