فصل
في كيفية الغسل
أقله شيئان :
أحدهما : ، وهي واجبة ، وتقدم ذكر فروعها في صفة الوضوء . ولا يجوز أن يتأخر عن أول الغسل المفروض ، فإن اقترنت به كفى ، ولا ثواب له في السنن المتقدمة . وإن تقدمت على المفروض وعزبت قبله ، فوجهان ، كما في الوضوء ، ثم إن نوى رفع الجنابة ، أو رفع الحدث عن جميع البدن ، أو نوت الحائض رفع حدث الحيض ، صح الغسل . وإن نوى رفع الحدث ، ولم يتعرض للجنابة ولا غيرها ، صح غسله على الأصح ، ولو نوى رفع الحدث الأصغر متعمدا ، لم يصح غسله على الأصح ، وإن غلط ، فظن حدثه الأصغر ، لم ترتفع الجنابة عن غير أعضاء الوضوء . وفي أعضاء الوضوء وجهان ، أحدهما : لا يرتفع ، وأصحهما : يرتفع عن الوجه واليدين والرجلين ، دون الرأس على الأصح ، ولو النية ، أجزأه . ولو نوت الحائض استباحة الوطء ، صح على الأصح . وإن نوى ما لا يستحب له الغسل ، لم يصح . وإن نوى استباحة ما يتوقف عن الغسل ، كالصلاة ، والطواف ، وقراءة القرآن ، لم يجزئه على الأصح ، كما سبق في الوضوء . ولو نوى ما يستحب له ، كالعبور [ ص: 88 ] في المسجد ، والأذان ، وغسل الجمعة ، والعيد ، أجزأه قطعا . نوى الغسل المفروض ، أو فريضة الغسل
الثاني : ، ومن ذلك ما ظهر من صماخي الأذنين ، والشقوق في البدن ، وكذا ما تحت القلفة من الأقلف ، وما ظهر من أنف المجدوع على الأصح فيهما ، وكذا ما يبدو من الثيب إذا قعدت لقضاء الحاجة ، على أصح الأوجه ، وعلى الثاني : لا يجب استيعاب جميع البدن بالغسل ، وعلى الثالث : يجب في غسل الحيض والنفاس خاصة ، لإزالة دمهما ، ولا يجب ما وراء ما ذكرناه قطعا ، ولا المضمضة ، والاستنشاق . ويجب إيصال الماء جميع الشعور التي على البشرة ، وإلى منابتها ، وإن كثفت ، ولا يجب غسل ما وراء ملتقى الشفرين ، ويسامح ببطن العقد التي على الشعرات على الأصح ، وعلى وجه يجب قطعها . غسل شعر نبت في العين
قلت : هذا الذي صححه هو الذي صححه صاحب ( البحر ) والصحيح : أنه لا يعفى عنه ، لأنه يمكن قطعها بلا خلاف ، وهو ظاهر نص والجمهور ، وقد أوضحته في شرح ( المهذب ) . والله أعلم . الشافعي
ويجب إن لم يصل الماء إلى باطنها إلا بالنقض ، ولا يجب إن وصل . نقض الظفائر
أما أكمل الغسل فيحصل بأمور . الأول : أن يغسل ما على بدنه من أذى أولا ، كالمني ونحوه من القذر الطاهر ، وكذا النجس . وتقديم إزالة النجاسة شرط لصحة الغسل . فلو غسل غسلة واحدة بنية الحدث والنجس ، طهر عن النجس . ولا يطهر عن الحدث على المذهب .
قلت : الأصح أنه يطهر عن الحدث أيضا ، وقد تقدم . والله أعلم .
[ ص: 89 ] وإذا قلنا : الغسلة الواحدة تكفي عن الحدث والنجس ، كان تقديم إزالة النجاسة من الكمال . وإن قلنا : لا يكفي ، لم تكن الإزالة من الكمال ، ولا من الأركان ، بل تكون شرطا ، خلافا لكثير من أصحابنا ، حيث قالوا : واجبات الغسل ثلاثة : غسل النجاسة إن كانت ، والنية ، والاستيعاب . الثاني : أن يتوضأ ، كما يتوضأ للصلاة . وتحصل سنة الوضوء سواء أخر غسل القدمين إلى الفراغ ، أو فعله بعد مسح الرأس والأذن . وأيهما أفضل . قولان . المشهور أنه لا يؤخر . ثم إن تجردت الجنابة عن الحدث ، فالوضوء مندوب . وإن اجتمعا ، فقد قدمنا في آخر باب صفة الوضوء الخلاف في اندراجه في الغسل ، فإن قلنا بالمذهب : أنه يندرج ، فالوضوء مندوب ، ويعد من سنن الغسل . وإن أوجبنا الوضوء ، امتنع عده من سنن الغسل ، فإنه لا صائر إلى أن يأتي بوضوءين ، بل يقتصر على وضوء . فإن شاء قدمه على الغسل ، وإن شاء أخره . وعلى هذا لا بد من إفراد الوضوء بالنية . وإذا قلنا بالاندراج ، لا يحتاج إلى إفراده بنية .
قلت : المختار أنه إن تجردت الجنابة ، نوى بوضوئه سنة الغسل ، وإن اجتمعا ، نوى به رفع الحدث الأصغر . والله أعلم .
واعلم أنه يتصور تجرد الجنابة في صور . منها أن يولج في بهيمة أو دبر رجل . ومنها أن يلف على ذكره خرقة ويولجه ، وإذا قلنا : إنه يجب الغسل . ومنها إذا أنزل المتوضئ المني بنظر ، أو فكر ، أو في النوم قاعدا . وأما جماع المرأة بلا حائل ، فيقع به الحدثان على الصحيح ، وقيل : تقتضي الجنابة فقط ، ويكون اللمس مغمورا .
الثالث : أن تتعهد مواضع الانعطاف ، والالتواء ، كالأذنين ، وغضون البطن ، ومنابت الشعر . ويخلل أصول الشعر بالماء قبل إفاضته .
[ ص: 90 ] الرابع : يفيض الماء على رأسه ، ثم على شقه الأيمن ، ثم الأيسر ، ويكون غسل جميع البدن ثلاثا ، كالوضوء ، فإن اغتسل في نهر ونحوه ، انغمس ثلاث مرات ، ويدلك في كل مرة ما يصل يده . ولا يستحب تجديد الغسل على الصحيح .
الخامس : إذا اغتسلت عن حيض ، أو نفاس ، يسن لها أن تأخذ طيبا وتجعله في قطنة ، أو نحوها ، وتدخلها فرجها ، والمسك أولى من غيره . فإن لم تجده ، فطيبا آخر ، فإن لم تجد ، فطينا ، فإن لم تفعل ، فالماء كاف .
السادس : ماء الوضوء والغسل غير مقدر ، ويستحب أن لا ينقص ماء الوضوء عن مد ، وماء الغسل عن صاع تقريبا .
قلت : الأصح المد هنا : رطل وثلث بالبغدادي على المذهب . وقيل : رطلان . والصاع أربعة أمداد . والله أعلم .
السابع : يستحب أن يستصحب النية إلى آخر الغسل ، وأن لا يغتسل في الماء الراكد ، وأن يقول بعد الفراغ : ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) وقد تقدم في باب صفة الوضوء سنن كثيرة تدخل هنا .
قلت : لا يجوز الغسل بحضرة الناس إلا مستور العورة . ويجوز في الخلوة مكشوفها ، والستر أفضل . ولو ، قال ترك المغتسل المضمضة والاستنشاق ، أو الوضوء والأصحاب - رحمهم الله - : فقد أساء ، ويستحب أن يتدارك ذلك ، ولا يجب ترتيب في أعضاء المغتسل ، لكن يستحب البداءة بأعضاء الوضوء ثم بالرأس وأعالي [ ص: 91 ] البدن . ولو أحدث في أثناء غسله ، جاز أن يتمه ، ولا يمنع الحدث صحته ، لكن لا يصلي حتى يتوضأ . ويجوز الغسل من إنزال المني قبل البول ، والأفضل بعده لئلا يخرج بعده مني . ولا يجب غسل داخل العين ، وحكم استحبابه على ما سبق في الوضوء . ولو غسل بدنه إلا شعرة أو شعرات ثم نتفها ، قال الشافعي الماوردي : إن كان الماء وصل أصلها ، أجزأه ، وإلا لزمه إيصاله إليه . وفي فتاوى ابن الصباغ : يجب غسل ما ظهر ، وهو الأصح . وفي ( البيان ) وجهان . أحدهما : يجب . والثاني : لا لفوات ما يجب غسله ، كمن توضأ وترك رجله فقطعت . والله أعلم .