فصل
: ليلة النحر مبيت أربع ليال ، نسك في الحج بمزدلفة ، وليالي التشريق بمنى . لكن الليلة الثالثة إنما تكون نسكا لمن لم ينفر النفر الأول . وفي قدر الواجب من المبيت ، قولان حكاهما الإمام عن نقل شيخه ، وصاحب " التقريب " . أظهرهما : معظم الليل . والثاني : المعتبر كونه حاضرا حال طلوع الفجر .
[ ص: 105 ] قلت : المذهب : ما نص عليه - رحمه الله - في " الأم " وغيره : أن الواجب في مبيت الشافعي المزدلفة ساعة في النصف الثاني من الليل ، وقد سبق بيانه قريبا . - والله أعلم - .
ثم هذا المبيت مجبور بالدم . وهل هو واجب ، أم مستحب ؟ أما ليلة المزدلفة فسبق حكمه . وأما الباقي ، فقولان . أظهرهما : الاستحباب . والثاني : الإيجاب . وقيل : مستحب قطعا .
قلت : الأظهر : الإيجاب . - والله أعلم - .
ثم إن ، أراق دما . وإن ترك الليالي الثلاث ، فكذلك على المذهب . وحكى صاحب " التقريب " قولا : أن في كل ليلة دما ، وهو شاذ . وإن ترك ليلة ، فأقوال : أظهرها : تجبر بمد . ترك ليلة مزدلفة وحدها
والثاني : بدرهم . والثالث : بثلث دم . وإن ترك ليلتين ، فعلى هذا القياس . وإن ترك الليالي الأربع ، فقولان . أظهرهما : دمان ، دم للمزدلفة ، ودم للباقي . والثاني : دم للجميع . هذا في حق من كان بمنى وقت الغروب . فإن لم يكن حينئذ ، ولم يبت ، وأفردنا المزدلفة بدم ، فوجهان ؛ لأنه لم يترك إلا ليلتين . أحدهما : مدان ، أو درهمان ، أو ثلثا دم . والثاني : دم كامل لتركه جنس المبيت بمنى ، وهذا أصح ، وهو جار فيما لو ترك ليلتين من الثلاث دون المزدلفة . هذا كله في غير المعذور .
أما من مزدلفة أو منى لعذر ، فلا دم عليه . وهم أصناف ، منهم رعاء الإبل ، وأهل سقاية ترك مبيت العباس ، فلهم إذا رموا جمرة العقبة يوم النحر أن ينفروا ويدعوا المبيت بمنى ليالي التشريق ، وللصنفين جميعا أن يدعوا رمي يوم ، ويقضوه في اليوم الذي يليه قبل رمي ذلك اليوم ، وليس لهم أن يدعوا رمي يومين متواليين . فإن تركوا رمي اليوم الثاني ، بأن نفروا اليوم الأول بعد الرمي ، عادوا في اليوم الثالث . وإن تركوا رمي اليوم الأول ، بأن نفروا يوم النحر بعد الرمي ، عادوا في الثاني . ثم [ ص: 106 ] لهم أن ينفروا مع الناس ، هذا هو الصحيح . وفي وجه : ليس لهم ذلك . وإذا غربت الشمس والرعاء بمنى لزمهم المبيت تلك الليلة ، والرمي من الغد ، ولأهل السقاية أن ينفروا بعد الغروب على الصحيح ؛ لأن عملهم بالليل بخلاف الرعي . ورخصة أهل السقاية ، لا تختص بالعباسية على الصحيح . وفي وجه : تختص بهم ، وفي وجه : تختص ببني هاشم . ولو أحدثت سقاية الحاج ، فللمقيم بسببها ترك المبيت ، قاله في " التهذيب " . وقال وغيره : ليس له . ابن كج
قلت : الأصح : قوله في " التهذيب " . - والله أعلم - .
ومن المعذورين من عرفة ليلة النحر ، واشتغل بالوقوف عن مبيت المزدلفة ، فلا شيء عليه ، وإنما يؤمر بالمبيت المتفرغون . ولو انتهى إلى عرفة إلى مكة ، وطاف للإفاضة بعد نصف الليل ، ففاته المبيت ، قال أفاض من القفال : لا شيء عليه لاشتغاله بالطواف . وقال الإمام : وفيه احتمال . ومن المعذورين من له مال يخاف ضياعه . ولو اشتغل بالمبيت ، أو له مريض يحتاج إلى تعهده ، أو يطلب آبقا ، أو يشتغل بأمر آخر يخاف فوته ففي هؤلاء وجهان . الصحيح المنصوص : أنه لا شيء عليهم بترك المبيت ، ولهم أن ينفروا بعد الغروب .