فصل
فيما يطرأ على الماء
وضابط الفصل : أن ما يسلب اسم الماء المطلق ، يمنع الطهارة به ، وما لا ، فلا . فمن ذلك ، فالأصح أنه طهور ، والمتغير كثيرا بما يجاوره ولا يختلط به ، كعود ، ودهن ، وشمع ، طهور على الأظهر . والكافور نوعان . أحدهما : يذوب في الماء ويختلط به . والثاني : لا يذوب . فالأول يمنع ، والثاني كالعود . وأما المتغير تغيرا يسيرا بما يستغنى عنه ، كالزعفران ، في مقر الماء وممره ، والتراب الذي يثور وينبث في الماء ، المتغير بما لا يمكن صون الماء عنه ، كالطين ، والطحلب ، والكبريت ، والنورة ، والزرنيخ ، والمتغير بطول المكث ، فطهور . والمسخن
قلت : ولا كراهة في استعمال شيء من هذه المتغيرات بما لا يصان عنه ، ولا في ماء البحر وماء زمزم ، ولا في المسخن ولو بالنجاسة . ويكره شديد الحرارة والبرودة . والله أعلم .
غير مكروه بالاتفاق ، وفي الأواني مكروه [ ص: 11 ] على الأصح ، بشرط أن يكون في البلاد الحارة ، والأواني المنطبعة كالنحاس إلا الذهب والفضة على الأصح . وعلى الثاني يكره مطلقا . والمشمس في الحياض والبرك
قلت : الراجح من حيث الدليل أنه لا يكره مطلقا ، وهو مذهب أكثر العلماء ، وليس للكراهة دليل يعتمد . وإذا قلنا بالكراهة ، فهي كراهة تنزيه ، لا تمنع صحة الطهارة ، وتختص باستعماله في البدن ، وتزول بتبريده على أصح الأوجه ، وفي الثالث : يراجع الأطباء ، والله أعلم .
وأما ، فليس بطهور . ولو حلف لا يشرب ماء ، لم يحنث بشربه . ويكفي تغير الطعم أو اللون أو الرائحة على المشهور ، وعلى القول الغريب الضعيف يشترط اجتماعها ، وعلى قول ثالث اللون وحده يسلب ، وكذا الطعم مع الرائحة . وفي الجص ، والنورة ، وغيرهما من أجزاء الأرض وجه شاذ أنها لا تضر . المتغير بما يستغنى عنه ، كالزعفران ، والجص ، تغيرا كثيرا ، بحيث يسلب اسم الماء المطلق
وأما المتغير بالتراب المطروح قصدا ، فطهور على الصحيح ، وقيل : على المشهور . والمتغير بالملح فيه أوجه ، أصحها يسلب الجبلي منه دون المائي . والثاني : يسلبان . والثالث : لا يسلبان . والمتغير بورق الأشجار المتناثرة بنفسها إن لم تتفتت في الماء ، فهي كالعود ، فيكون طهورا على الأظهر ، وإن تفتتت واختلطت ، فثلاثة أوجه . الأصح : لا يضر . والثاني : يضر . والثالث : يضر الربيعي دون الخريفي . قاله الشيخ أبو زيد . وإن طرحت الأوراق قصدا ، ضر . 0 وقيل : على الأوجه .
[ ص: 12 ] فرع
إذا ، فوجهان . أصحهما : إن كان المائع قدرا لو خالف الماء في طعم أو لون أو ريح لتغير التغير المؤثر ، سلب الطهورية ، وإن كان لا يؤثر مع تقدير المخالفة ، لم يسلب . والثاني : إن كان المائع أقل من الماء ، لم يسلب . وإن كان أكثر منه أو مثله ، سلب . وحيث لم يسلب ، فالصحيح أنه يستعمل الجميع . وقيل : يجب أن يبقى قدر المائع . وقيل : إن كان الماء وحده يكفي لواجب الطهارة ، فله استعمال الجميع ، وإلا بقي . فإن جوزنا الجميع ، ومعه من الماء ما لا يكفيه وحده ، ولو كمله بمائع يهلك فيه لكفاه - لزمه ذلك ، إلا أن يزيد قيمة المائع على ثمن ماء الطهارة . ويجري الخلاف في استعمال الجميع فيما إذا استهلكت النجاسة المائعة في الماء الكثير . وفيما إذا استهلك الخليط الطاهر في الماء ، لقلته مع مخالفة أوصافه أوصاف الماء . قال الأصحاب : فإن لم يتغير الماء الكثير ، لموافقة النجاسة له في الأوصاف ، فالاعتبار بتقدير المخالفة بلا خلاف ، لغلظ النجاسة ، واعتبروا في النجاسة بالمخالف أشده صفة ، وفي الطاهر اعتبروا الوسط المعتدل ، فلا يعتبر في الطعم حدة الخل ، ولا في الرائحة ذكاء المسك . اختلط بالماء الكثير أو القليل مائع يوافقه في الصفات ، كماء الورد المنقطع الرائحة ، وماء الشجر ، والماء المستعمل
قلت : المتغير بالمني ليس بطهور على الأصح . ولو تطهر بالماء الذي ينعقد منه الملح قبل أن يجمد ، جاز على المذهب . ولا فرق في جميع مسائل الفصل بين القلتين ، وفوقهما ، ودونهما . ولو أغلي الماء ، فارتفع من غليانه بخار ، وتولد [ ص: 13 ] منه رشح ، فوجهان . المختار منهما عند صاحب ( البحر ) أنه طهور . والثاني : طاهر ليس بطهور . ولو رشح من مائع آخر ، فليس بطهور بلا خلاف ، كالعرق . والله أعلم .