فصل
يشتمل هذا الكتاب على خمسة أبواب .
الأول : في ، فإن فارقها على عوض بلفظ الطلاق ، فهو طلاق سواء فيه صريح الطلاق وكناياته . وإن لم يجز إلا لفظ الخلع ، فقولان . حقيقة الخلع
الجديد ، أنه طلاق ينقص به العدد ، ، والقديم : أنه فسخ لا ينقص به العدد . وإذا خالعها ثلاث مرات ، لم ينكحها إلا بمحلل
ويجوز تجديد نكاحها بعد الخلع بلا حصر ، والجديد هو الأظهر عند جمهور الأصحاب . ورجح ، الشيخ أبو حامد وأبو مخلد البصري القديم ، فإن قلنا : فسخ ، فلفظ الخلع صريح فيه ، ولو ، أو قال : فاديتك بألف فقالت : قبلت أو افتديت ، فوجهان . قال : فسخت نكاحك بألف فقبلت
أصحهما : أنه صريح . والثاني : كناية . فعلى هذا في انعقاد الخلع بهما خلاف نذكره في أنه هل ينعقد بالكناية إذا جعلناه فسخا ، ولو ؟ فيه وجهان ، اختيار نوى بالخلع الطلاق والتفريع على أنه فسخ ، فهل يكون طلاقا أم فسخا لكونه صريحا القاضي حسين الفسخ ، وبه قطع المتولي . والغزالي
ولو قال لزوجته : فسخت نكاحك ونوى الطلاق وهو متمكن من الفسخ بعيبها ، فالصحيح أنه طلاق وبه قطع القاضي حسين .
وقيل : فسخ . أما إذا قلنا : الخلع طلاق ، فلفظ الفسخ كناية فيه ، ولفظ الخلع فيه قولان . قال في " الأم " : [ ص: 376 ] كناية وفي " الإملاء " : صريح . قال الروياني وغيره : الأول أظهر ، واختار الإمام والغزالي والبغوي الثاني ، ولفظ المفاداة كلفظ الخلع على الأصح .
وقيل : كناية قطعا . وإذا قلنا : لفظ الخلع صريح ، فذاك إذا ذكر المال ، فإن لم يذكره ، فكناية على الأصح . وقيل : على القولين .
وهل يقتضي الخلع المطلق الجاري بغير ذكر المال ثبوت المال ؟ وجهان . أصحهما عند الإمام والغزالي : نعم للعرف ، وكالخلع على خمر ، والثاني : لا لعدم الالتزام ، فإن أثبتنا المال ، فإن جعلناه فسخا أو صريحا في الطلاق أو كناية ونوى ، وجب مهر المثل وحصلت البينونة . والروياني
وإن جعلناه كناية ولم ينو ، لغا ، وإن لم يثبت المال عند الطلاق ، فإن جعلناه فسخا ، لغا ؛ لأن الفسخ بالتراضي لا يكون إلا بعوض ، هكذا حكاه الإمام وغيره عن الأصحاب ، وذكروا أن مساق كلامهم أنه لو نفى العوض في الخلع ، لم يصح الخلع على قول الفسخ ، قال الإمام : والقياس الحق صحته بلا عوض .
وإن جعلناه طلاقا إما صريحا وإما كناية ونوى ، فهو طلاق رجعي ، وفي افتقاره إلى قبولها وجهان .
أصحهما : لا يفتقر ، صححه الإمام وقطع به البغوي لاستقلال الزوج بالطلاق الرجعي ، والوجهان فيما إذا قال : خالعتك وأضمر التماس جوابها وانتظر قبولها . أما لو قال : خلعت أو خالعت ، ولم يضمر التماس الجواب ، فلا يفتقر إلى الجواب قطعا ، كما لو قال : فارقتك .
ولو نوى المال ولم يذكره وقلنا : مطلقه لا يقتضي مالا ، فهل تؤثر النية في ثبوت المال ؟ وجهان يقربان من انعقاد البيع ونحوه بالكنايات .
فإن قلنا : تؤثر ، ثبت المال ، ولا بد فيه من نيتها أيضا . وإن قلنا : لا تؤثر ، فهل يقع الطلاق ويلغى منه المال ، أم لا يقع ؛ لأنه نوى الطلاق على مال لا مطلقا ؟ وجهان .
وفي " فتاوى [ ص: 377 ] البغوي " وجهان فيما لو اختلعت نفسها على بقية صداقها ، فخالعها عليه ، ولم يكن بقي لها شيء عليه ، فهل تحصل البينونة بمهر المثل ؟ ورجح الحصول .
فرع
يصح مع النية إن جعلناه طلاقا ، وإن جعلناه فسخا ، فهل للكنايات فيه مدخل ؟ وجهان . أصحهما : نعم . الخلع بجميع كنايات الطلاق
فإن نوى الطلاق ، أو الفسخ ، كان ما نوى . وإن نوى الخلع ، عاد الخلاف في أنه فسخ أم طلاق ؟ ولو ، نفذ إن جعلناه طلاقا ، والقول في المال الواجب سيأتي إن شاء الله تعالى ، ولا ينفذ إن جعلناه فسخا . قال : خالعت نصفك أو يدك على كذا ، أو خالعتك شهرا على كذا
فرع
، كلفظة العربي ، ولا يجيء فيه الخلاف السابق في النكاح . ترجمة الخلع بسائر اللغات
فرع
لفظ البيع والشراء كناية في الخلع ، سواء جعل فسخا أم طلاقا ، وذلك بأن يقول : بعتك نفسك بكذا ، فتقول : اشتريت أو قبلت ، ولفظ الإقالة كناية أيضا فيه ، وبيع الطلاق بالمهر من جهة الزوج ، وبيع المهر بالطلاق من جهتها [ ص: 378 ] يعبر بهما عن الخلع ، وليكونا كنايتين ، كقوله : بعتك نفسك . وفي " الزيادات " لأبي عاصم : إن بيع الطلاق مع ذكر العوض صريح .
ورأى إسماعيل البوشنجي من أصحابنا ، أن ينزل قوله : بعتك طلاقك بكذا منزلة قوله : ملكتك طلاقك بكذا ، حتى إذا طلقت في المجلس ، لزم المال ووقع الطلاق . وإن نويا مجرد بيع الطلاق وشرائه من غير إيقاع طلاق منها ، وبغير نية طلاق منه ، فهذا التصرف فاسد ، والنكاح باق بحاله . وإسماعيل هذا إمام غواص متأخر لقيه من لقيناه .
فرع
، فإن جعلنا الخلع فسخا ، لم ينفذ لأنه لم يجبها ، وإن جعلناه صريحا في الطلاق ، أو كناية ونوى ، حصلت البينونة ولزم المال . قالت : طلقني على كذا فقال : خالعتك
وإن لم ينو ، لم يقع شيء ولو ، فإن قلنا : الخلع فسخ ، لم يقع عليه فرقة لأنه لم يجبها . قالت : خالعني على كذا فقال : طلقتك عليه
وقيل : يقع الطلاق ؛ لأنه أعطاها فرقة أقوى مما طلبت ، فكأنه زاد ، كمن سألته طلقة فطلق طلقتين ، والأول أصح .
وعلى هذا قوله : طلقتك ابتداء كلام منه ، فإن لم يسم المال ، وقع طلاق رجعي ، وإن سماه ، لم يقع ما لم يقبل .
وإن قلنا : الخلع طلاق ، فإن جعلناه صريحا أو كناية ونوت ، حصلت البينونة ولزم المال ، ولا يضر اختلاف اللفظ ، وإن جعلناه كناية ولم ينو ، فقولها لغو . والزوج مبتدئ بالطلاق .
ولو ، فإن قلنا : الخلع فسخ ، [ ص: 379 ] لم ينفذ . وإن قلنا : طلاق ، قال وكل رجلا في طلاقها فخالع البوشنجي : الذي يجيء على أصلنا ، أنه لا ينفذ أيضا ؛ لأنه يمنعه الرجعة إن كان بعد الدخول . قال : ولو ، إن كان بحيث يتصور الرجعة ، لم ينفذ ، وإن لم يتصور بأن كان قبل الدخول ، أو كان المملوك له الطلقة الثالثة ، فذكر في نفوذه احتمالين لأنه حصل غرضه مع فائدة ، لكنه غير مفهوم بالتوكيل المطلق ، وقد يتوقف في بعض ما ذكره حكما ودليلا . وكله في الطلاق فطلق على مال
فرع
، نفذ إن قلنا : إنه طلاق ، وإن قلنا : فسخ ، فهو كبيع الهازل ، وفيه خلاف سبق . تخالعا هازلين
فرع
إن قلنا : فسخ ، وإن قلنا : طلاق ، فلا . التعليق يمنع صحة الخلع
فصل
. فيما يلحق به الخلع من الأصول
قال الأصحاب : إن جعلنا الخلع فسخا ، فهو معاوضة محضة من الجانبين لا مدخل للتعليق فيه ، بل هو كابتداء النكاح والبيع .
فلو قال : خالعتك بمائة فقبلت بخمسين ، أو قالت : خالعني بمائة فخالعها بخمسين ، أو قالت : بخمسين فخالعها [ ص: 380 ] بمائة ، لم يصح كالبيع . وإن جعلناه طلاقا ، أو جرى لفظ الطلاق صريحا ، نظر هل بدأ الزوج بالإيقاع ، أم بدأت بسؤاله ؟ .
القسم الأول : إن بدأ هو بطلاقها وذكر العوض ، فهو معاوضة فيها شوب تعليق ؛ لأنه يأخذ مالا في مقابلة ما يزيله ، والشوب فيه لكونه يترتب على قبول المال كترتب الطلاق المعلق بشرط ، ثم تارة تغلب المعاوضة ، وتارة التعليق ، وتارة يراعى المعنيان ، ويختلف ذلك بالصيغ المأتي بها .
فإن أتى بصيغة المعاوضة وصورتها فقال : خالعتك بكذا ، أو على كذا ، أو طلقتك ، أو أنت طالق على كذا ، غلب معنى المعاوضة ، ويثبت أحكامها ، فيجوز له الرجوع قبل قبولها ، ويلغو قبولها بعد رجوعه ، ويشترط قبولها باللفظ من غير فصل كالبيع وسائر العقود .
فلو تخلل زمن طويل ، أو اشتغلت بكلام آخر ثم قبلت ، لم ينفذ . ولو اختلف الإيجاب والقبول ، بأن قال : طلقتك بألف فقبلت بألفين ، أو بخمسمائة ، لم يصح كالبيع ، كذا ذكره البغوي وغيره .
وفي " الشامل " ، أنها إذا قبلت بألفين ، صح ولا يلزمها الألف ؛ لأنه لم يوجب إلا ألفا . والصحيح الأول .
ولو ، لم يصح . قال : طلقتك ثلاثا بألف ، فقبلت واحدة بثلث الألف
وإن قبلت واحدة بالألف ، فثلاثة أوجه .
أحدها : لا يقع شيء كالبيع ، والثاني : يقع طلقة ؛ لأن الزوج هو المستقل بالطلاق ، وأصحها : يقع الثلاث ، صححه الشيخ أبو علي ، وبه قال والغزالي القفال ؛ لأن قبولها إنما يحتاج إلى المال ، وأصل الطلاق وعدده يستقل به الزوج .
وإذا قلنا : يقع الثلاث أو واحدة ، ففيما يستحقه الزوج عليها وجهان .
أصحهما : الألف ، وبه قال ابن الحداد ، والشيخ أبو محمد ؛ لأن [ ص: 381 ] الإيجاب والقبول تعلقا به .
والثاني عن ابن سريج : أنه يجب مهر المثل لاختلاف الإيجاب والقبول . وإن أتى الزوج بصيغة تعليق ، نظر ، إن قال : متى أعطيتني ، أو متى ما ، أو أي وقت ، أو حين ، أو زمان ، غلب معنى التعليق وثبتت أحكامه ، وجعل كالتعليق بسائر الأوصاف ، حتى لا يحتاج إلى قبول باللفظ ، ولا يشترط الإعطاء في المجلس ، بل متى وجد الإعطاء طلقت ، وليس للزوج الرجوع قبل الإعطاء ، وإن قال : إن أعطيتني ، أو إذا أعطيتني كذا فأنت طالق ، فله بعض أحكام التعليق ، فلا يحتاج إلى القبول لفظا ، ولا رجوع للزوج قبل الإعطاء .
وقيل : يجوز له ، حكاه الرجوع قبل الإعطاء البغوي ، وقطع به صاحب " المهذب " ، ويقرب منه ما حكاه عن ابن كج ابن سلمة ، أن الزوج بالخيار بين أن لا يقبل الألف الذي أحضرته ، وبين أن يقبل .
والصحيح الأول ، وله بعض أحكام المعاوضة وهو اشتراط الإعطاء في المجلس . واختار صاحب المهذب إلحاق " إذا " بـ " متى " ، وألحقها الجمهور بـ " أن " كما ذكرنا .
وحكي وجه ، أن كلمة " إن " كـ " متى " في أنه لا يشترط تعجيل الإعطاء وهو شاذ . ثم قال المتولي : اشتراط الإعطاء على الفور مخصوص بالزوجة الحرة فإن قال لزوجته الأمة : إن أعطيتني ألفا ، فأنت طالق ، وقع الطلاق متى أعطته الألف وإن طال الزمان ؛ لأنها لا تقدر على الإعطاء في المجلس غالبا ، بخلاف ما إذا قال : إن أعطيتني زق خمر فأنت طالق ، فإنه يشترط الفور وإن لم تملك الخمر ؛ لأن يدها قد تشمل على خمر .
قال : ولو أعطته الأمة ألفا من كسبها ، حصلت البينونة لوجود الصفة ، وعليه رد المال إلى سيدها ويطالبها بمهر المثل إذا عتقت .
فرع
المراد بالمجلس الذي يشترط فيه الإعطاء مجلس التواجب وهو ما يحصل به الارتباط بين الإيجاب والقبول ، ولا نظر إلى مكان العقد .
وفي وجه حكاه [ ص: 382 ] وغيره ، أنه يقع الطلاق إذا أعطته قبل تفرقهما وإن طالت المدة . والصحيح الأول . ابن كج
القسم الثاني : إذا بدأت بسؤال الطلاق فأجابها ، فهو معاوضة فيها شوب جعالة . والصحيح لها الرجوع قبل أن يجيبها ؛ لأن هذا حكم المعاوضة والجعالة ، وسواء أتت بصيغة تعليق كقولها : إن طلقتني أو متى طلقتني فلك كذا ، أو قالت : طلقني على كذا ، فهو معاوضة في الحالتين ، ويشترط أن يطلقها في مجلس التواجب ، سواء فيه صيغة المعاوضة والتعلق ، وسواء علقت بـ " إن " أو بـ " متى " .
فلو طلقها بعد مدة طويلة ، كان طلاقا مبتدأ . ولو قالت ، طلقني ثلاثا على ألف فطلق واحدة على ثلث الألف ، أو اقتصر على قوله : طلقتك واحدة ، وقعت الواحدة واستحق ثلث الألف .
كما لو قال : رد عبيدي ولك ألف ، فرد أحدهم . وحكى الشيخ أبو علي وجها أنه لا يقع شيء وغلط قائله .
فرع
، فقبلت إحداهما فقط ، لم يقع شيء . وقيل : يصح في حق القائلة والصحيح الأول . قال لامرأتيه : خالعتكما أو طلقتكما ، أو أنتما طالقان بألف
ولو قال : طلقت إحداكما بألف ولم يعين فقالتا : قبلنا ، لم يصح ذكره البغوي . ولو قال : خالعتك وضرتك بألف . فقالت : قبلت ، صح الخلع ، ولزمها الألف ؛ لأن الخطاب معها وحدها وهي مختلعة لنفسها ، وقابلة لضرتها كالأجنبي .
ولو قالتا له : طلقنا بألف فطلق إحداهما ، طلقت دون الأخرى . وهل يلزمها مهر المثل أم حصتها من المسمى إذا وزع على مهر مثلهما ، أم نصف المسمى ؟ فيه ثلاثة أقوال .
أظهرها الأول ، وتجري الأقوال في الواجب على كل واحدة إذا طلقهما .
[ ص: 383 ] قال : والخلاف مخصوص بصورة الإطلاق . الشيخ أبو حامد
أما لو قال : طلقتكما على ألف مناصفة ، أو قالتا : طلقنا على ألف مناصفة ، فهو مناصفة بلا خلاف .
ولو قالت : طلقني بألف ، فقال : طلقتك بخمسمائة ، بانت واستحق خمسمائة على الصحيح ، وقيل : لا تطلق تغليبا للمعاوضة ، وبالله التوفيق .