القضاء في غير المسجد وكراهة القضاء فيه :
مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه : وأن يكون في غير المسجد لكثرة الغاشية والمشاتمة بين الخصوم .
قال الماوردي : أما فلا يكره في حالتين : القضاء في المسجد
أحدهما : في تغليظ الأيمان به إذا لزم تغليظها بالمكان والزمان ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غلظ لعان العجلاني في مسجده ، والحال الثانية : أن يحضر القاضي الصلاة فيتفق حضور خصمين إليه فلا يكره له تعجيل النظر بينهما فيه قد قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 31 ] في مسجده على هذا الوجه وكذلك من قضى من الأئمة بعده : لأن حضورهم في المساجد لم يكن مقصورا على القضاء فيه .
وأما ما عدا هاتين الحالتين أن يجعل المسجد مجلسا لقضائه بين الخصوم فمكروه عند الشافعي .
وقال مالك وأحمد وإسحاق : لا يكره وهو قول الشعبي وعن أبي حنيفة في كراهته روايتان استدلالا برواية الشعبي قال : رأيت عمر بن الخطاب مستندا إلى القبلة يقضي في المساجد .
وقال الحسن دخلت المسجد فرأيت عثمان بن عفان قد ألقى رداءه على كومة خطار ونام عليه وأتاه سقاء بقربته ومعه خصم فجلس عثمان وقضى بينهما . وروي عن علي أنه كان يقضي بين الناس في المسجد .
وإذا كان هذا من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأئمة الراشدين من بعده لم يكره .
ودليلنا على كراهته ما رواه ابن بريدة عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فقال : " " فدل على كراهة ما عداهما فيه . لا وجدتها إنما بنيت المساجد لذكر الله والصلاة
وروى معاذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " " . جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ورفع أصواتكم وخصوماتكم وحدودكم وسل سيوفكم وشراءكم وبيعكم
وروى سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كتب إلى القضاة أن لا تقضوا في المساجد .
وسمع عمر رجلا يصيح في المسجد فقال له أتدري أين أنت : ولأن حضور الخصوم لا يخلو من لغط ومنابذة وربما تعدى إلى سب ومشاتمة ، والمساجد تصان عن هذا ، ولأنه ربما كان في الخصوم جنب وحائض يحرم عليهما دخول المسجد ، ولأن لغط الخصوم يمنع خشوع المصلين ، وسواء صغر المسجد أو كبر .
فأما ما روي عن الصحابة من النظر فيه فإنما كان نادرا على الوجه الذي قدمناه .