مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه :
nindex.php?page=treesubj&link=8442ويرزق من يقيم الحدود ويأخذ القصاص من سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من الخمس كما يرزق الحكام فإن لم يفعل فعلى المقتص منه الأجر كما عليه أجر الكيال والوزان فيما يلزمه .
قال
الماوردي : ينبغي للإمام أن يندب لاستيفاء الحدود والقصاص رجلا أمينا يرزق من بيت المال إن لم يجد متطوعا ، لأنه من المصالح العامة ، ويكون من مال المصالح وهو خمس الخمس سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الفيء والغنيمة المعد بعده للمصالح العامة ، فإذا استوفى الجلاد القصاص أعطي أجرته منه ، فإن أعوز بيت المال أو كان فيه ولزم صرفه فيما هو أولى منه من سد الثغور وفي أرزاق الجيوش منه كانت على المقتص منه أجرته دون المقتص له .
وقال
أبو حنيفة : أجرته على المقتص له دون المقتص منه استدلالا بأن حقه متعين ، وإنما يحتاج إلى الفصل بين حقه من حق غيره فكانت أجرة الفاضل على مستوفيه كمشتري الثمرة يلزمه أجرة لقاطها وجذاذها ، وكمشتري الصبرة يلزمه أجرة حمالها ونقالها ، ولأنه لما كانت أجرة متعد المال على مستوفيه دون موفيه كذلك القصاص ، ولأن العامل في الصدقات مستوف من أرباب الأموال لأهل السهمان ، ثم كانت أجرته في مال أهل السهمان المستوفى لهم دون أرباب الأموال المستوفى منهم وجب أن تكون أجرة المقتص في مال المستوفى له دون المستوفى منه .
ودليلنا هو أن القصاص استيفاء حق فوجب أن تكون أجرته على الموفي دون المستوفي كأجرة الكيال والوزان ، ولأنه قطع مستحق فوجب أن تكون أجرته على المقطوع منه كالختان وحلق شعر المحرم .
فإن قيل فالختان وحلق شعر المحرم حق للمقطوع منه فلذلك وجب عليه أجرته والقصاص حق للمقطوع له دون المقطوع منه فكان المقطوع له أولى بالتزام أجرته من المقطوع منه .
[ ص: 199 ] قلنا : هما سواء ، لأن الختان وحلق الشعر حق على المقطوع منه كما أن القصاص حق على المقطوع منه ، غير أن الحق في الختان والحلق لله تعالى وفي القصاص للولي فكما التزم حق الله التزم حق الآدمي .
فأما الجواب عن استدلاله بأجرة الجذاذ والنقل فهو أن ذلك تصرف فيما قد استقر ملكه عليه فاختص بمؤنة تصرفه فيه ، وكذلك أجرة منتقد الثمن ، وليس كذلك القصاص ، لأنه إبقاء للحق ومؤونة الإبقاء مستحقة على الموفي كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=88فأوف لنا الكيل وتصدق [ يوسف : 88 ] . ثم ثبت أن أجرة الكيال على الموفي دون المستوفي ، كذلك في القصاص وأما عامل الصدقات فهو نائب عن أهل السهمان في الاستيفاء لهم ، وليس بنائب عن أرباب الأموال في الإبقاء عنهم فكانت أجرته واجبة على من ناب عنه كأجرة الوكيل ، وخالف المقتص ، لأنه يقوم بالإبقاء دون الاستيفاء فصار بالكيال والوزان أشبه .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
nindex.php?page=treesubj&link=8442وَيُرْزَقُ مَنْ يُقِيمُ الْحُدُودَ وَيَأْخُذُ الْقِصَاصَ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الخُمُسِ كَمَا يُرْزَقُ الْحُكَّامُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْهُ الْأَجْرُ كَمَا عَلَيْهِ أَجْرُ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ فِيمَا يَلْزَمُهُ .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْدُبَ لِاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ رَجُلًا أَمِينًا يُرْزَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إِنْ لَمْ يَجِدْ مُتَطَوِّعًا ، لِأَنَّهُ مِنَ المَصَالِحِ الْعَامَّةِ ، وَيَكُونُ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ سَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ الْمُعَدِّ بَعْدَهُ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ ، فَإِذَا اسْتَوْفَى الْجَلَّادُ الْقِصَاصَ أُعْطِيَ أُجْرَتَهُ مِنْهُ ، فَإِنْ أَعْوَزَ بَيْتُ الْمَالِ أَوْ كَانَ فِيهِ وَلَزِمَ صَرْفُهُ فِيمَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ مِنْ سَدِّ الثُّغُورِ وَفِي أَرْزَاقِ الْجُيُوشِ مِنْهُ كَانَتْ عَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْهُ أُجْرَتُهُ دُونَ الْمُقْتَصِّ لَهُ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : أُجْرَتُهُ عَلَى الْمُقْتَصِّ لَهُ دُونَ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَيِّنٌ ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَى الْفَصْلِ بَيْنَ حَقِّهِ مِنْ حَقِّ غَيْرِهِ فَكَانَتْ أُجْرَةُ الْفَاضِلِ عَلَى مُسْتَوْفِيهِ كَمُشْتَرِي الثَّمَرَةِ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ لُقَاطِهَا وَجِذَاذِهَا ، وَكَمُشْتَرِي الصُّبْرَةِ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ حَمَّالِهَا وَنَقَّالِهَا ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ أُجْرَةُ مُتَعَدِّ الْمَالِ عَلَى مُسْتَوْفِيهِ دُونَ مُوفِيهِ كَذَلِكَ الْقِصَاصُ ، وَلِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الصَّدَقَاتِ مُسْتَوْفٍ مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ لَأَهْلِ السُّهْمَانِ ، ثُمَّ كَانَتْ أُجْرَتُهُ فِي مَالِ أَهْلِ السُّهْمَانِ الْمُسْتَوْفَى لَهُمْ دُونَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ الْمُسْتَوْفَى مِنْهُمْ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ أُجْرَةُ الْمُقْتَصِّ فِي مَالِ الْمُسْتَوْفَى لَهُ دُونَ الْمُسْتَوْفَى مِنْهُ .
وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ الْقِصَاصَ اسْتِيفَاءُ حَقٍّ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ أُجْرَتُهُ عَلَى الْمُوفِي دُونَ الْمُسْتَوْفِي كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ ، وَلِأَنَّهُ قَطْعٌ مُسْتَحَقٌّ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ أُجْرَتُهُ عَلَى الْمَقْطُوعِ مِنْهُ كَالْخِتَانِ وَحَلْقِ شَعْرِ الْمُحْرِمِ .
فَإِنْ قِيلَ فَالْخِتَانُ وَحَلْقُ شَعْرِ الْمُحْرِمِ حَقٌّ لِلْمَقْطُوعِ مِنْهُ فَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ أُجْرَتُهُ وَالْقِصَاصُ حَقٌّ لِلْمَقْطُوعِ لَهُ دُونَ الْمَقْطُوعِ مِنْهُ فَكَانَ الْمَقْطُوعُ لَهُ أَوْلَى بِالْتِزَامِ أُجْرَتِهِ مِنَ المَقْطُوعِ مِنْهُ .
[ ص: 199 ] قُلْنَا : هُمَا سَوَاءٌ ، لِأَنَّ الْخِتَانَ وَحَلْقَ الشَّعْرِ حَقٌّ عَلَى الْمَقْطُوعِ مِنْهُ كَمَا أَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ عَلَى الْمَقْطُوعِ مِنْهُ ، غَيْرَ أَنَّ الْحَقَّ فِي الْخِتَانِ وَالْحَلْقِ لِلَّهِ تَعَالَى وَفِي الْقِصَاصِ لِلْوَلِيِّ فَكَمَا الْتُزِمَ حَقُّ اللَّهِ الْتُزِمَ حَقُّ الْآدَمِيِّ .
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ بِأُجْرَةِ الْجِذَاذِ وَالنَّقْلِ فَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِيمَا قَدِ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ فَاخْتُصَّ بِمُؤْنَةِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ مُنْتَقِدِ الثَّمَنِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقِصَاصُ ، لِأَنَّهُ إِبْقَاءٌ لِلْحَقِّ وَمَؤُونَةُ الْإِبْقَاءِ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَى الْمُوَفِّي كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=88فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ [ يُوسُفَ : 88 ] . ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ أُجْرَةَ الْكَيَّالِ عَلَى الْمُوَفِّي دُونَ الْمُسْتَوْفِي ، كَذَلِكَ فِي الْقِصَاصِ وَأَمَّا عَامِلُ الصَّدَقَاتِ فَهُوَ نَائِبٌ عَنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ فِي الِاسْتِيفَاءِ لَهُمْ ، وَلَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فِي الْإِبْقَاءِ عَنْهُمْ فَكَانَتْ أُجْرَتُهُ وَاجِبَةً عَلَى مَنْ نَابَ عَنْهُ كَأُجْرَةِ الْوَكِيلِ ، وَخَالَفَ الْمُقْتَصَّ ، لِأَنَّهُ يَقُومُ بِالْإِبْقَاءِ دُونَ الِاسْتِيفَاءِ فَصَارَ بِالْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ أَشْبَهَ .