مسألة : قال
المزني : " قال الله جل ثناؤه
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=72قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم [ يوسف : 72 ] وقال عز وجل
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=40سلهم أيهم بذلك زعيم [ القلم : 40 ] وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "
nindex.php?page=hadith&LINKID=923306والزعيم غارم " والزعيم في اللغة هو الكفيل ، وروي عن
أبي سعيد الخدري أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923307كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما وضعت قال صلى الله عليه وسلم هل على صاحبكم من دين ؟ فقالوا : نعم درهمان ، قال " صلوا على صاحبكم " فقال علي رضوان الله عليه هما علي يا رسول الله وأنا لهما ضامن فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ثم أقبل على علي رضي الله عنه فقال " جزاك الله عن الإسلام خيرا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك " ( قال
المزني ) قلت أنا وفي ذلك دليل أن الدين الذي كان على الميت لزم غيره بأن ضمنه وروى
الشافعي في قسم الصدقات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "
nindex.php?page=hadith&LINKID=923308لا تحل الصدقة لغني إلا لثلاثة " ذكر منها رجلا تحمل بحمالة فحلت الصدقة ( قلت أنا ) فكانت الصدقة محرمة قبل الحمالة فلما تحمل لزمه الغرم بالحمالة فخرج من معناه الأول إلى أن حلت له الصدقة " .
قال
الماوردي : أما الضمان فهو أخذ الوثائق في الأموال ؛ لأن الوثائق ثلاثة : الشهادة والرهن والضمان .
والدليل على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=16729الضمان وصحته الكتاب والسنة ، فأما الكتاب : فقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=72قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم [ يوسف : 72 ] فإن قيل : فالاستدلال بهذه الآية لا يصح من وجوه ثلاثة :
[ ص: 431 ] أحدهما : أنها حكاية حال محرفة ونقل قصة غير صحيحة ؛ لأن الصواع لم يفقد والقوم لم يسرقوا ، وإذا كان موضوعا كذبا كان الاستدلال بها فاسدا .
فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أن هذا من قول
المنادي ، ولم يكن يعلم بما فعل
يوسف ، فلما فقد الصواع ظن أنهم قد سرقوه فنادى بهذا وهو يعتقد أنه حق وصدق .
والثاني : أن
يوسف فعل ذلك عقوبة لإخوته فخرج من باب الكذب إلى حد العقوبة والتأديب ، ثم رغب الناس فيما بذله لهم ، بما قد استقر عندهم لزومه ووجوبه ؛ ليكون أدعى إلى طلبتهم وتحقيق القول عليهم زيادة في عقوبتهم .
والسؤال الثاني : أن الآية تناولت ضمان مال مجهول ؛ لأن حمل البعير مجهول وضمان المجهول باطل .
فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أن حمل البعير كان عندهم عبارة عن قدر معلوم كالوسق كان موضوعا لحمل الناقة ثم صار مستعملا في قدر معلوم .
والثاني : أن الآية دالة على أمرين :
أحدهما : جواز الضمان .
والثاني : صحته في القدر المجهول ، فلما خرج بالدليل ضمان المجهول كان الباقي على ما اقتضاه التنزيل .
والسؤال الثالث : أنه ضمان مال الجعالة ، وضمان مال الجعالة باطل .
والجواب عنه : أن أصحابنا قد اختلفوا في جواز
nindex.php?page=treesubj&link=6910ضمان مال الجعالة على وجهين :
أحدهما : يجوز ضمانه فعلى هذا سقط السؤال .
والثاني : أنه لا يصح ، فعلى هذا لا يمتنع قيام الدليل على فساد ضمان مال الجعالة من التعلق بباقي الآية ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=40سلهم أيهم بذلك زعيم [ القلم : 40 ] وهذا وإن كان على طريق التحدي فهو دال على جواز الضمان والزعيم الضمين وكذلك الكفيل والحميل والصبير ، ومعنى جميعها واحد غير أن العرف جار بأن الضمين مستعمل في الأموال ، والحميل في الديات ، والكفيل في النفوس ، والزعيم في الأمور العظام ، والصبير في الجميع ، وإن كان الضمان يصح بكل واحد منهم ويلزم .
وأما السنة فروى
ابن عباس عن
شرحبيل عن
أبي أمامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ ص: 432 ] يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923309إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ، لا تنفق المرأة شيئا من بيتها إلا بإذن زوجها قيل : يا رسول الله ولا الطعام ، قال : " ذلك أفضل أموالنا " ، ثم قال : العارية مضمونة مؤداة ، والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم غارم .
وروى
زائدة عن
عبد الله بن محمد بن عقيل عن
جابر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923310توفي رجل منا فغسلناه ثم كفناه ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه ، فخطا خطوة ، ثم قال : أعليه دين ؟ قلنا : ديناران ، فانصرف فتحملها أبو قتادة ، وقال : علي الديناران ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أعليك حق الغريم ، وبرئ الميت منه ، قال : نعم ، قال : فصلى عليه ، ثم قال بعد ذلك بيوم : ما فعل الديناران ؟ ، قال : إنما مات أمس ، ثم عاد عليه بالغد ، فقال : قد قضيتها ، قال الآن بردت عليه جلده ، وروى
أبو سعيد الخدري قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923311كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما وضعت قال صلى الله عليه وسلم : هل على صاحبكم من دين ، قالوا : نعم درهمان ، قال : صلوا على صاحبكم ، فقال علي رضي الله عنه هما علي يا رسول الله ، وأنا لهما ضامن ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ثم أقبل على علي فقال : جزاك الله عن الإسلام خيرا ، وفك رهانك كما فككت رهان أخيك ، وروى
عكرمة عن
ابن عباس nindex.php?page=hadith&LINKID=923312أن رجلا لزم غريما له بعشرة دنانير ، وحلف لا يفارقه حتى يقضيه ، أو يأتيه بحميل ، فجره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله إن هذا لزمني فاستنظرته شهرا فأبى حتى آتيه بحميل ، أو أقضيه فوالله ما أجد حميلا وما عندي قضاء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تستنظره إلا شهرا ، قال : لا ، قال : فأنا أتحمل بها عنك فتحمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهب الرجل فأتاه بقدر ما وعده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أين لك هذا الذهب ؟ قال من معدن ، قال : اذهب فلا حاجة لنا فيها ليس فيها خير وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وروى
عبد الحميد بن أبي أمية عن
أنس nindex.php?page=hadith&LINKID=923313أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة فقال : صل عليها ، فقال أليس عليه دين ؟ قالوا نعم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ينفعك أن أصلي على رجل وهو مرتهن في قبره فلو ضمن رجل دينه قمت فصليت عليه فإن صلاتي تنفعه .
وروى
ابن شهاب عن
أبي سلمة بن عبد الرحمن عن
أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=923314أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين ، فيسأل : هل ترك قضاء ؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه ، وإلا قال للمسلمين : صلوا على صاحبكم ، فلما فتح الله عليه الفتوح ، قام فقال : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم من توفي من المؤمنين فترك دينا فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته .
وفي قوله "
nindex.php?page=hadith&LINKID=923315من ترك دينا فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته " تأويلان :
[ ص: 433 ] أحدهما : معناه من ترك دينا عليه ولا قضاء فعلي قضاؤه من مال الصدقات وسهم الغارمين ، ومن ترك مالا لا دين عليه فهو لورثته .
والثاني : معناه : من ترك دينا له ومالا فعلي اقتضاء الدين واستخراجه ممن هو عليه حتى يصير مع ماله الذي تركه إلى ورثته .
فإن قيل : فلم كان يمتنع من
nindex.php?page=treesubj&link=32906الصلاة على من عليه دين إذا مات معسرا ، ولا يمتنع من الصلاة إذا مات موسرا ؟ والمعسر في الظاهر معذور ، والموسر غير معذور ؟ ، قيل : لأن الموسر يمكن قضاء دينه من تركته والمعسر لا يمكن قضاء دينه ، وقد قال :
nindex.php?page=treesubj&link=32906نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى ، فلما كان مرتهنا بدينه لم تنفعه الصلاة عليه ولا الدعاء له إلا بعد قضائه ، وقيل : بل كان يفعل ذلك زجرا عن أن يتسرع الناس إلى أخذ الديون ليكفوا عنها ، وقيل : بل كان يفعل ذلك ليرغب الناس في قضاء دين المعسر فلا يضيع لأحد دين ولا يبقى على معسر دين .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الْمُزَنِيُّ : " قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=72قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [ يُوسُفَ : 72 ] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=40سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ [ الْقَلَمِ : 40 ] وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=923306وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ " وَالزَّعِيمُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْكَفِيلُ ، وَرُوِيَ عَنْ
أَبِيِ سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923307كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةٍ فَلَمَّا وُضِعَتْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ مِنْ دَيْنٍ ؟ فَقَالُوا : نَعَمْ دِرْهَمَانِ ، قَالَ " صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ " فَقَالَ عَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا لَهُمَا ضَامِنٌ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ " جَزَاكَ اللَّهُ عَنِ الْإِسْلَامِ خَيْرًا وَفَكَّ رِهَانَكَ كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيكَ " ( قَالَ
الْمُزَنِيُّ ) قُلْتُ أَنَا وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ لَزِمَ غَيْرَهُ بِأَنْ ضَمِنَهُ وَرَوَى
الشَّافِعِيُّ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=923308لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ " ذَكَرَ مِنْهَا رَجُلًا تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ فَحَلَّتِ الصَّدَقَةُ ( قُلْتُ أَنَا ) فَكَانَتِ الصَّدَقَةُ مُحَرَّمَةً قَبْلَ الْحَمَالَةِ فَلَمَّا تَحَمَّلَ لَزِمَهُ الْغُرْمُ بِالْحَمَالَةِ فَخَرَجَ مِنْ مَعْنَاهُ الْأَوَّلِ إِلَى أَنْ حَلَّتْ لَهُ الصَّدَقَةُ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا الضَّمَانُ فَهُوَ أَخْذُ الْوَثَائِقِ فِي الْأَمْوَالِ ؛ لِأَنَّ الْوَثَائِقَ ثَلَاثَةٌ : الشَّهَادَةُ وَالرَّهْنُ وَالضَّمَانُ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=16729الضَّمَانِ وَصِحَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، فَأَمَّا الْكِتَابُ : فَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=72قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [ يُوسُفَ : 72 ] فَإِنْ قِيلَ : فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الْآيَةِ لَا يَصِحُّ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ :
[ ص: 431 ] أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا حِكَايَةُ حَالٍ مُحَرَّفَةٍ وَنَقْلُ قِصَّةٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ ؛ لِأَنَّ الصُّوَاعَ لَمْ يُفْقَدْ وَالْقَوْمَ لَمْ يَسْرِقُوا ، وَإِذَا كَانَ مَوْضُوعًا كَذِبًا كَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا فَاسِدًا .
فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ
الْمُنَادِي ، وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بِمَا فَعَلَ
يُوسُفُ ، فَلَمَّا فُقِدَ الصُّوَاعُ ظَنَّ أَنَّهُمْ قَدْ سَرَقُوهُ فَنَادَى بِهَذَا وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ .
وَالثَّانِي : أَنَّ
يُوسُفَ فَعَلَ ذَلِكَ عُقُوبَةً لِإِخْوَتِهِ فَخَرَجَ مِنْ بَابِ الْكَذِبِ إِلَى حَدِّ الْعُقُوبَةِ وَالتَّأْدِيبِ ، ثُمَّ رَغَّبَ النَّاسَ فِيمَا بَذَلَهُ لَهُمْ ، بِمَا قَدِ اسْتَقَرَّ عِنْدَهُمْ لُزُومُهُ وَوُجُوبُهُ ؛ لِيَكُونَ أَدْعَى إِلَى طِلْبَتِهِمْ وَتَحْقِيقِ الْقَوْلِ عَلَيْهِمْ زِيَادَةً فِي عُقُوبَتِهِمْ .
وَالسُّؤَالُ الثَّانِي : أَنَّ الْآيَةَ تَنَاوَلَتْ ضَمَانَ مَالٍ مَجْهُولٍ ؛ لِأَنَّ حِمْلَ الْبَعِيرِ مَجْهُولٌ وَضَمَانُ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ .
فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ حِمْلَ الْبَعِيرِ كَانَ عِنْدَهُمْ عِبَارَةً عَنْ قَدْرٍ مَعْلُومٍ كَالْوَسْقِ كَانَ مَوْضُوعًا لِحِمْلِ النَّاقَةِ ثُمَّ صَارَ مُسْتَعْمَلًا فِي قَدْرٍ مَعْلُومٍ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى أَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : جَوَازُ الضَّمَانِ .
وَالثَّانِي : صِحَّتُهُ فِي الْقَدْرِ الْمَجْهُولِ ، فَلَمَّا خَرَجَ بِالدَّلِيلِ ضَمَانُ الْمَجْهُولِ كَانَ الْبَاقِي عَلَى مَا اقْتَضَاهُ التَّنْزِيلُ .
وَالسُّؤَالُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ ضَمَانُ مَالِ الْجَعَالَةِ ، وَضَمَانُ مَالِ الْجَعَالَةِ بَاطِلٌ .
وَالْجَوَابُ عَنْهُ : أَنَّ أَصْحَابَنَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=6910ضَمَانِ مَالِ الْجَعَالَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : يَجُوزُ ضَمَانُهُ فَعَلَى هَذَا سَقَطَ السُّؤَالُ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَمْتَنِعُ قِيَامُ الدَّلِيلِ عَلَى فَسَادِ ضَمَانِ مَالِ الْجَعَالَةِ مِنَ التَّعَلُّقِ بِبَاقِي الْآيَةِ ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=40سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ [ الْقَلَمِ : 40 ] وَهَذَا وَإِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ التَّحَدِّي فَهُوَ دَالٌّ عَلَى جَوَازِ الضَّمَانِ وَالَزَّعِيمُ الضَّمِينُ وَكَذَلِكَ الْكَفِيلُ وَالْحَمِيلُ وَالصَّبِيرُ ، وَمَعْنَى جَمِيعِهَا وَاحِدٌ غَيْرَ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ الضَّمِينَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَمْوَالِ ، وَالْحَمِيلَ فِي الدِّيَاتِ ، وَالْكَفِيلَ فِي النُّفُوسِ ، وَالزَّعِيمَ فِي الْأُمُورِ الْعِظَامِ ، وَالصَّبِيرَ فِي الْجَمِيعِ ، وَإِنْ كَانَ الضَّمَانُ يَصِحُّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيَلْزَمُ .
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَرَوَى
ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ
شُرَحْبِيلَ عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[ ص: 432 ] يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923309إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ، لَا تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِهَا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الطَّعَامَ ، قَالَ : " ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا " ، ثُمَّ قَالَ : الْعَارِيَةُ مَضْمُونَةٌ مُؤَدَّاةٌ ، وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ .
وَرَوَى
زَائِدَةُ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ
جَابِرٍ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923310تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنَّا فَغَسَّلْنَاهُ ثُمَّ كَفَّنَّاهُ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ ، فَخَطَا خَطْوَةً ، ثُمَّ قَالَ : أَعَلَيْهِ دَيْنٌ ؟ قُلْنَا : دِينَارَانِ ، فَانْصَرَفَ فَتَحَمَّلَهَا أَبُو قَتَادَةَ ، وَقَالَ : عَلَيَّ الدِّينَارَانِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَعَلَيْكَ حَقُّ الْغَرِيمِ ، وَبَرِئَ الْمَيِّتُ مِنْهُ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَصَلَّى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ : مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ ؟ ، قَالَ : إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ ، ثُمَّ عَادَ عَلَيْهِ بِالْغَدِ ، فَقَالَ : قَدْ قَضَيْتُهَا ، قَالَ الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ ، وَرَوَى
أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923311كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ فَلَمَّا وُضِعَتْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ مِنْ دَيْنٍ ، قَالُوا : نَعَمْ دِرْهَمَانِ ، قَالَ : صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَأَنَا لَهُمَا ضَامِنٌ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ فَقَالَ : جَزَاكَ اللَّهُ عَنِ الْإِسْلَامِ خَيْرًا ، وَفَكَّ رِهَانَكُ كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيكَ ، وَرَوَى
عِكْرِمَةُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=923312أَنَّ رَجُلًا لَزِمَ غَرِيمًا لَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ، وَحَلَفَ لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ ، أَوْ يَأْتِيَهُ بِحَمِيلٍ ، فَجَرَّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا لَزِمَنِي فَاسْتَنْظَرْتُهُ شَهْرًا فَأَبَى حَتَّى آتِيَهُ بِحَمِيلٍ ، أَوْ أَقْضِيَهُ فَوَاللَّهِ مَا أَجِدُ حَمِيلًا وَمَا عِنْدِي قَضَاءٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ تَسْتَنْظِرُهُ إِلَّا شَهْرًا ، قَالَ : لَا ، قَالَ : فَأَنَا أَتَحَمَّلُ بِهَا عَنْكَ فَتَحَمَّلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَهَبَ الرَّجُلُ فَأَتَاهُ بِقَدْرِ مَا وَعَدَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا الذَّهَبُ ؟ قَالَ مِنْ مَعْدِنٍ ، قَالَ : اذْهَبْ فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا لَيْسَ فِيهَا خَيْرٌ وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرَوَى
عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ
أَنَسٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=923313أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ : صَلِّ عَلَيْهَا ، فَقَالَ أَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؟ قَالُوا نَعَمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا يَنْفَعُكَ أَنْ أُصَلِّيَ عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ مُرْتَهَنٌ فِي قَبْرِهِ فَلَوْ ضَمِنَ رَجُلٌ دَيْنَهُ قُمْتُ فَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ فَإِنَّ صَلَاتِي تَنْفَعُهُ .
وَرَوَى
ابْنُ شِهَابٍ عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ nindex.php?page=hadith&LINKID=923314أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ ، فَيَسْأَلُ : هَلْ تَرَكَ قَضَاءً ؟ فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى عَلَيْهِ ، وَإِلَّا قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ : صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ ، قَامَ فَقَالَ : أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ .
وَفِي قَوْلِهِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=923315مَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ " تَأْوِيلَانِ :
[ ص: 433 ] أَحَدُهُمَا : مَعْنَاهُ مَنْ تَرَكَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ مِنْ مَالَ الصَّدَقَاتِ وَسَهْمِ الْغَارِمِينَ ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ .
وَالثَّانِي : مَعْنَاهُ : مَنْ تَرَكَ دَيْنًا لَهُ وَمَالًا فَعَلَيَّ اقْتِضَاءُ الدَّيْنِ وَاسْتِخْرَاجُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ مَعَ مَالِهِ الَّذِي تَرَكَهُ إِلَى وَرَثَتِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ كَانَ يَمْتَنِعُ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=32906الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ إِذَا مَاتَ مُعْسِرًا ، وَلَا يَمْتَنِعُ مِنَ الصَّلَاةِ إِذَا مَاتَ مُوسِرًا ؟ وَالْمُعْسِرُ فِي الظَّاهِرِ مَعْذُورٌ ، وَالْمُوسِرُ غَيْرُ مَعْذُورٍ ؟ ، قِيلَ : لِأَنَّ الْمُوسِرَ يُمْكِنُ قَضَاءُ دَيْنِهِ مِنْ تَرِكَتِهِ وَالْمُعْسِرُ لَا يُمْكِنُ قَضَاءُ دَيْنِهِ ، وَقَدْ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=32906نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى ، فَلَمَّا كَانَ مُرْتَهَنًا بِدَيْنِهِ لَمْ تَنْفَعْهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَلَا الدُّعَاءُ لَهُ إِلَّا بَعْدَ قَضَائِهِ ، وَقِيلَ : بَلْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ زَجْرًا عَنْ أَنْ يَتَسَرَّعَ النَّاسُ إِلَى أَخْذِ الدُّيُونِ لِيَكُفُّوا عَنْهَا ، وَقِيلَ : بَلْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيُرَغِّبَ النَّاسَ فِي قَضَاءِ دَيْنِ الْمُعْسِرِ فَلَا يَضِيعَ لِأَحَدٍ دَيْنٌ وَلَا يَبْقَى عَلَى مُعْسِرٍ دَيْنٌ .