مسألة : ( وقال
المزني ) والذي أحتج به في تجويز
nindex.php?page=treesubj&link=23895السلم في الحيوان nindex.php?page=hadith&LINKID=923208أن النبي صلى الله عليه وسلم تسلف بكرا فصار به عليه حيوانا مضمونا ، وإن
عليا رضي الله عنه باع جملا بعشرين جملا إلى أجل ، وإن
ابن عمر اشترى راحلة بأربعة أبعرة إلى أجل ( قال
المزني ) قلت أنا : وهذا من الجزاف العاجل في الموصوف الآجل " .
قال
الماوردي : وهذا الفصل حكاه
المزني عن
الشافعي وأراد به
الشافعي شيئا ، وأراد به
المزني غيره ، فأما مراد
الشافعي به ؛ فهو جواز السلم في الحيوان ، وهو في الصحابة قول
علي وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم ، وفي التابعين قول
سعيد بن المسيب والحسن البصري والنخعي ، وفي الفقهاء قول
مالك وأحمد وإسحاق .
وقال
أبو حنيفة : السلم في الحيوان لا يجوز ، وهو قول
ابن مسعود في إحدى الروايتين عن
عمر .
احتجاجا برواية
ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=923201من أسلف فليسلف في كيل معلوم ، ووزن معلوم ، وأجل معلوم " فكان ظاهر هذا يقتضي أن يكون ما يقدر بالكيل والوزن شرطا في جواز السلم ، وبما روى
قتادة ، عن
الحسن ، عن
سمرة ، nindex.php?page=hadith&LINKID=922997أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ، فمنع من النساء فيه : لأنه لا يثبت في الذمة ، وما لا يثبت في الذمة يجوز فيه السلم .
وروى
جابر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923209سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان واحد باثنين فقال : لا بأس به يدا بيد ولا خير فيه نساء .
[ ص: 400 ] قالوا : ولأن الجلود والأكارع والرءوس بعض الحيوان ، والسلم فيها لا يجوز ، فلأن لا يجوز السلم في جميعه أولى ، وتحريره قياسا أن ما لا يجوز في بعضه لم يجز السلم في كله كالجواهر . قالوا : ولأن الحيوان يجمع أشياء متغايرة : لأنه يجمع لحما وشحما وجلدا وعظما . وما اختلفت أنواعه وتغايرت أخلاطه لا يصح فيه السلم كالمعجونات وكذلك الحيوان .
قالوا : ولأن الحيوان لا يضبط بالصفة المقصودة منه : لأنه إن كان من الإبل العوامل ، فالمقصود منه قوته وصبره ، وإن كان من السوائم فالمقصود منه كثرة الدر وصحة النتاج ، وإن كان للركوب فالمقصود منه سرعة المشي ووطء الظهر ، وإن كان عبدا فالمقصود منه ثقته وخدمته ، وإن كانت جارية فالمقصود منها جمال محاسنها ، وحلاوة شمائلها ، وعفة فرجها ، وكل هذه الأوصاف غير مضبوطة ، بل هي بغير المشاهدة غير معلومة إلا بالتجربة والخبرة .
والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه في جواز السلم فيه ؛ حديث
عبد الله بن عمر رضي الله عنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=923210أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جهز جيشا فعزت الإبل فأمرني أن آخذ بعيرا ببعيرين إلى إبل الصدقة .
فلما بطل أن يكون هذا قرضا لظهور الفضل فيه تبين أنه سلم ، وروى
أبو الزبير ، عن
جابر ، nindex.php?page=hadith&LINKID=923211أن عبدا بايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة فجاء سيده يريده ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : بعنيه . فاشتراه منه بعبدين أسودين .
ولأن كل عين صح ثبوتها في الذمة مهرا صح ثبوتها في الذمة سلما ، كالثياب طردا والجوهر عكسا ، ولأن كل ما صح أن يكون في الذمة عوضا في عقد الكتابة صح أن يكون في الذمة سلما كالحنطة ، ولأنه عقد معاوضة فجاز أن يكون الحيوان في الذمة عوضا فيه كالنكاح والكتابة ، ولأنه جنس يجب فيه الصدقة فجاز فيه السلم كالحبوب .
ولأن الحيوان مضبوط الصفة شرعا وعرفا ، أما الشرع فقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=67إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة إلى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=70ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض الآية ، إلى قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=71الآن جئت بالحق [ البقرة : 67 : 71 ] . قال
قتادة : معناه الآن ثبت الحق .
فلولا أن الصفة مضبوطة لم يكن فيها بيان ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=923212لا تصف المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها " .
[ ص: 401 ] لولا أن الوصف لها يقوم مقام النظر إليها لم ينه عنه .
وأما العرف فهو أن العرب قد كانت تكتفي بالصفة عن المشاهدة ، حتى وصفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفاته حتى كأنه مشاهد ، وإذا أرادوا أن يعرضوا فرسا للبيع أو غيره وصفوه صفة تغني عن المشاهدة ، وقد قال بعض الشعراء : " من وصفك فقد سماك العرب " وإذا ضبط صفة الحيوان بأي صفة بما ذكرنا من الشرع والعرف ؛ صح فيه السلم كغيره من الموصوفات .
فأما الجواب عن حديث
ابن عباس رضي الله عنه ، فهو أنه محمول على ما ورد فيه من النهي بدلالة جواز السلم فيما ليس بمكيل ولا موزون من المزروع والمعدود .
وأما الجواب عن خبري
سمرة وجابر رضي الله عنهما فمن وجهين :
أحدهما : أنه يقتضي أن يكون المنع لأجل النساء ، وأنتم تمنعون منه : لأنه غير مضبوط بالصفة فلم يسلم الدليل منه .
والثاني : أنه محمول على النساء إذا كان من الطرفين معا .
فصل : فأما قصد
المزني به فهو أن يحتج به على أن مشاهدة الثمن تغني عن الصفة : لأن هذه الأخبار فيها أنهم وصفوا ما دفعوه من الحيوان سلفا ، فاقتصروا على المشاهدة ، وهذا الذي قاله
المزني ليس بدليل : لأن المقصود بها جواز السلم في الحيوان ، فاقتصر الراوي على ذكره ولم يقصد شرطه بالصفة ، ألا ترى أن المسلم فيه لا بد من صفته ، وليس في الخبر ذكرها ، فكذلك الثمن لا يمنع أن يلزم وصفه وإن لم يكن في الخبر ذكره .
وأما الجواب عن استدلالهم بأن الجلد لما لم يجز السلم فيه ، وهو بعض الحيوان كان جميع الحيوان أولى فهذا مما لا يصح اعتباره ، والأصول تدفعه ، ألا ترى أن الحمل لا يصح بيعه ويصح بيع الأم مع حملها ، فكذا الجلد وإن لم يصح السلم فيه لا يمنع من السلم في الحيوان .
وأما الجواب عن قولهم إن الحيوان يجمع أشياء مختلفة فلم يجز السلم فيه كالمعجونات ، فهو أن جملة الحيوان مقصود ، وليس تقدير ما فيه من أنواعه مقصود ، وهو متشاغل الخلقة وكل ما فيه مقدر ، وليس كالمعجونات التي يقصد منها تقدير أنواعها وإذا صبغها الآدميون أمكنهم زيادة جنس ونقصان غيره فاختلفا . وأما قوله إنه غير مضبوط الصفة ، فقد دللنا على أنه مضبوط الصفة بالشرع والعرف ، فدل بما ذكرنا على جواز السلم في الحيوان ، وهو ما قصده
الشافعي بهذا الفصل .
فصل : فإذا ثبت جواز السلم في الحيوان ، فكما جاز أن يكون ثمنا في السلم في غير الحيوان جاز أن يكون ثمنا في السلم في الحيوان ، سواء كان من جنسه كالإبل سلما في الإبل أو من غير جنسها كالإبل سلما في البقر ، إلا الجواري سلما في الجواري ففيه وجهان :
[ ص: 402 ] أحدهما : وهو قول
أبي إسحاق ، لا يجوز أن
nindex.php?page=treesubj&link=4973يدفع جارية سلما من جارية لعلتين :
الأولى : أنه قد يجوز أن تكون الجارية التي هي الثمن عند حلول الأجل على صفة الجارية التي هي المثمن فيدفعها إليه فيصير الثمن والمثمن واحدا وهذه العلة فاسدة ، يسلم البعير في البعير .
والعلة الثانية : أنه قد يقبض الجارية على صفة المسلم فيها فيردها ويصير مستمتعا بها بغير بدل ، وهذه العلة فاسدة بالمنع إذا رد بالعيب .
والوجه الثاني : وهو قول جمهور أصحابنا أنه يجوز أن يكون الثمن جارية سلما في جارية ، كما يجوز أن يكون العبد سلما في عبد ، والفرس سلما في فرس ، فعلى هذا إذا كان العبد الذي هو الثمن على مثل صفة العبد الذي هو المثمن ، أو كانت الجارية التي هي الثمن مثل الجارية التي هي المثمن ، فدفعها المسلم إليه كما وجب عليه . فهل يلزم المسلم قبولها أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : لا يلزمه قبولها : لأنه قد صار مالكا للثمن كسائر أملاكه . فيلزمه قبولها إذا دفعها إليه كما يلزمه قبول غيرها من أملاكه .
مَسْأَلَةٌ : ( وَقَالَ
الْمُزَنِيُّ ) وَالَذِي أَحْتَجُّ بِهِ فِي تَجْوِيزِ
nindex.php?page=treesubj&link=23895السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ nindex.php?page=hadith&LINKID=923208أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسَلَّفَ بَكْرًا فَصَارَ بِهِ عَلَيْهِ حَيَوَانًا مَضْمُونًا ، وَإِنَّ
عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَاعَ جَمَلًا بِعِشْرِينَ جَمَلًا إِلَى أَجَلٍ ، وَإِنَّ
ابْنَ عُمَرَ اشْتَرَى رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ إِلَى أَجَلٍ ( قَالَ
الْمُزَنِيُّ ) قُلْتُ أَنَا : وَهَذَا مِنَ الْجُزَافِ الْعَاجِلِ فِي الْمَوْصُوفِ الْآجِلِ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا الْفَصْلُ حَكَاهُ
الْمُزَنِيُّ عَنِ
الشَّافِعِيِّ وَأَرَادَ بِهِ
الشَّافِعِيُّ شَيْئًا ، وَأَرَادَ بِهِ
الْمُزَنِيُّ غَيْرَهُ ، فَأَمَّا مُرَادُ
الشَّافِعِيِّ بِهِ ؛ فَهُوَ جَوَازُ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ ، وَهُوَ فِي الصَّحَابَةِ قَوْلُ
عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَفِي التَّابِعِينَ قَوْلُ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ ، وَفِي الْفُقَهَاءِ قَوْلُ
مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ ، وَهُوَ قَوْلُ
ابْنِ مَسْعُودٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ
عُمَرَ .
احْتِجَاجًا بِرِوَايَةِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=923201مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ ، وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ " فَكَانَ ظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَا يُقَدَّرُ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ شَرْطًا فِي جَوَازِ السَّلَمِ ، وَبِمَا رَوَى
قَتَادَةُ ، عَنِ
الْحَسَنِ ، عَنْ
سَمُرَةَ ، nindex.php?page=hadith&LINKID=922997أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً ، فَمَنَعَ مِنَ النِّسَاءِ فِيهِ : لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ، وَمَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ .
وَرَوَى
جَابِرٌ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923209سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ وَاحِدٍ بِاثْنَيْنِ فَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نِسَاءٌ .
[ ص: 400 ] قَالُوا : وَلِأَنَّ الْجُلُودَ وَالْأَكَارِعَ وَالرُّءُوسَ بَعْضُ الْحَيَوَانِ ، وَالسَّلَمُ فِيهَا لَا يَجُوزُ ، فَلِأَنْ لَا يَجُوزَ السَّلَمُ فِي جَمِيعِهِ أَوْلَى ، وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ فِي بَعْضِهِ لَمْ يَجُزِ السَّلَمُ فِي كُلِّهِ كَالْجَوَاهِرِ . قَالُوا : وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ يَجْمَعُ أَشْيَاءً مُتَغَايِرَةً : لِأَنَّهُ يَجْمَعُ لَحْمًا وَشَحْمًا وَجِلْدًا وَعَظْمًا . وَمَا اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُ وَتَغَايَرَتْ أَخْلَاطُهُ لَا يَصِحُّ فِيهِ السَّلَمُ كَالْمَعْجُونَاتِ وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ .
قَالُوا : وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ : لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنَ الْإِبِلِ الْعَوَامِلِ ، فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ قُوَّتُهُ وَصَبْرُهُ ، وَإِنْ كَانَ مِنَ السَّوَائِمِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ كَثْرَةُ الدَّرِّ وَصِحَّةِ النِّتَاجِ ، وَإِنْ كَانَ لِلرُّكُوبِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ سُرْعَةُ الْمَشْيِ وَوَطْءُ الظَّهْرِ ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ ثِقَتُهُ وَخِدْمَتُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا جَمَالُ مَحَاسِنِهَا ، وَحَلَاوَةُ شَمَائِلِهَا ، وَعِفَّةُ فَرْجِهَا ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَوْصَافِ غَيْرُ مَضْبُوطَةٍ ، بَلْ هِيَ بِغَيْرِ الْمُشَاهَدَةِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ إِلَّا بِالتَّجْرِبَةِ وَالْخِبْرَةِ .
وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ فِي جَوَازِ السَّلَمِ فِيهِ ؛ حَدِيثُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=923210أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَّزَ جَيْشًا فَعَزَّتِ الِإِبِلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ .
فَلَمَّا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَرْضًا لِظُهُورِ الْفَضْلِ فِيهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ سَلَمٌ ، وَرَوَى
أَبُو الزُّبَيْرِ ، عَنْ
جَابِرٍ ، nindex.php?page=hadith&LINKID=923211أَنَّ عَبْدًا بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْهِجْرَةِ فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بِعْنِيهِ . فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ .
وَلِأَنَّ كُلَّ عَيْنٍ صَحَّ ثُبُوتُهَا فِي الذِّمَّةِ مَهْرًا صَحَّ ثُبُوتُهَا فِي الذِّمَّةِ سَلَمًا ، كَالثِّيَابِ طَرْدًا وَالْجَوْهَرِ عَكْسًا ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ عِوَضًا فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ صَحَّ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ سَلَمًا كَالْحِنْطَةِ ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ فِي الذِّمَّةِ عِوَضًا فِيهِ كَالنِّكَاحِ وَالْكِتَابَةِ ، وَلِأَنَّهُ جِنْسٌ يَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ فَجَازَ فِيهِ السَّلَمُ كَالْحُبُوبِ .
وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ مَضْبُوطُ الصِّفَةِ شَرْعًا وَعُرْفًا ، أَمَّا الشَّرْعُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=67إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=70ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ الْآيَةَ ، إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=71الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ [ الْبَقَرَةِ : 67 : 71 ] . قَالَ
قَتَادَةُ : مَعْنَاهُ الْآنَ ثَبَتَ الْحَقُّ .
فَلَوْلَا أَنَّ الصِّفَةَ مَضْبُوطَةٌ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بَيَانٌ ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=923212لَا تَصِفُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ لِزَوْجِهَا حَتَّى كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا " .
[ ص: 401 ] لَوْلَا أَنَّ الْوَصْفَ لَهَا يَقُومُ مَقَامَ النَّظَرِ إِلَيْهَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ .
وَأَمَّا الْعُرْفُ فَهُوَ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ كَانَتْ تَكْتَفِي بِالصِّفَةِ عَنِ الْمُشَاهَدَةِ ، حَتَّى وَصَفُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِفَاتِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ مُشَاهَدٌ ، وَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَعْرِضُوا فَرَسًا لِلْبَيْعِ أَوْ غَيْرِهِ وَصَفُوهُ صِفَةً تُغْنِي عَنِ الْمُشَاهَدَةِ ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ : " مِنْ وَصْفِكَ فَقَدْ سَمَّاكَ الْعَرَبُ " وَإِذَا ضَبَطَ صِفَةَ الْحَيَوَانِ بِأَيِّ صِفَةٍ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ ؛ صَحَّ فِيهِ السَّلَمُ كَغَيْرِهِ مِنَ الْمَوْصُوفَاتِ .
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَهُوَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ النَّهْيِ بِدَلَالَةِ جَوَازِ السَّلَمِ فِيمَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ مِنَ الْمَزْرُوعِ وَالْمَعْدُودِ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ خَبَرَي
سَمُرَةَ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَمِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ لِأَجْلِ النِّسَاءِ ، وَأَنْتُمْ تَمْنَعُونَ مِنْهُ : لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْبُوطٍ بِالصِّفَةِ فَلَمْ يَسْلَمِ الدَّلِيلُ مِنْهُ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النِّسَاءِ إِذَا كَانَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ مَعًا .
فَصْلٌ : فَأَمَّا قَصْدُ
الْمُزَنِيُّ بِهِ فَهُوَ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مُشَاهَدَةَ الثَّمَنِ تُغْنِي عَنِ الصِّفَةِ : لِأَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ فِيهَا أَنَّهُمْ وَصَفُوا مَا دَفَعُوهُ مِنَ الْحَيَوَانِ سَلَفًا ، فَاقْتَصَرُوا عَلَى الْمُشَاهَدَةِ ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ
الْمُزَنِيُّ لَيْسَ بِدَلِيلٍ : لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا جَوَازُ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ ، فَاقْتَصَرَ الرَّاوِي عَلَى ذِكْرِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ شَرْطَهُ بِالصِّفَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ لَا بُدَّ مِنْ صِفَتِهِ ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ ذِكْرُهَا ، فَكَذَلِكَ الثَّمَنُ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَلْزَمَ وَصْفَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَرِ ذِكْرُهُ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ الْجِلْدَ لَمَّا لَمْ يَجُزِ السَّلَمُ فِيهِ ، وَهُوَ بَعْضُ الْحَيَوَانِ كَانَ جَمِيعُ الْحَيَوَانِ أَوْلَى فَهَذَا مِمَّا لَا يَصِحُّ اعْتِبَارُهُ ، وَالْأُصُولُ تَدْفَعُهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْأُمِّ مَعَ حَمْلِهَا ، فَكَذَا الْجِلْدُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ فِيهِ لَا يَمْنَعُ مِنَ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ الْحَيَوَانَ يَجْمَعُ أَشْيَاءً مُخْتَلِفَةً فَلَمْ يَجُزِ السَّلَمُ فِيهِ كَالْمَعْجُونَاتِ ، فَهُوَ أَنَّ جُمْلَةَ الْحَيَوَانِ مَقْصُودٌ ، وَلَيْسَ تَقْدِيرُ مَا فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِهِ مَقْصُودٌ ، وَهُوَ مُتَشَاغِلُ الْخِلْقَةِ وَكُلُّ مَا فِيهِ مُقَدَّرٌ ، وَلَيْسَ كَالْمَعْجُونَاتِ الَّتِي يُقْصَدُ مِنْهَا تَقْدِيرُ أَنْوَاعِهَا وَإِذَا صَبَغَهَا الْآدَمِيُّونَ أَمْكَنَهُمْ زِيَادَةُ جِنْسٍ وَنُقْصَانُ غَيْرِهِ فَاخْتَلَفَا . وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّهُ غَيْرُ مَضْبُوطِ الصِّفَةِ ، فَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّهُ مَضْبُوطُ الصِّفَةِ بِالشَّرْعِ وَالْعُرْفِ ، فَدَلَّ بِمَا ذَكَرْنَا عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ ، وَهُوَ مَا قَصَدَهُ
الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الْفَصْلِ .
فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ ، فَكَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي السَّلَمِ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ ، سَوَاءً كَانَ مِنْ جِنْسِهِ كَالْإِبِلِ سَلَمًا فِي الْإِبِلِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا كَالْإِبِلِ سَلَمًا فِي الْبَقَرِ ، إِلَّا الْجَوَارِي سَلَمًا فِي الْجَوَارِي فَفِيهِ وَجْهَانِ :
[ ص: 402 ] أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي إِسْحَاقَ ، لَا يَجُوزُ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=4973يَدْفَعَ جَارِيَةً سَلَمًا مِنْ جَارِيَةٍ لِعِلَّتَيْنِ :
الْأُولَى : أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ الَّتِي هِيَ الثَّمَنُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ عَلَى صِفَةِ الْجَارِيَةِ الَّتِي هِيَ الْمُثَمَّنُ فَيَدْفَعُهَا إِلَيْهِ فَيَصِيرُ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ وَاحِدًا وَهَذِهِ الْعِلَّةُ فَاسِدَةٌ ، يُسْلَمُ الْبَعِيرُ فِي الْبَعِيرِ .
وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّهُ قَدْ يَقْبِضُ الْجَارِيَةَ عَلَى صِفَةِ الْمُسَلَّمِ فِيهَا فَيَرُدُّهَا وَيَصِيرُ مُسْتَمْتِعًا بِهَا بِغَيْرٍ بَدَلٍ ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ فَاسِدَةٌ بِالْمَنْعِ إِذَا رَدَّ بِالْعَيْبِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ جَارِيَةً سَلَمًا فِي جَارِيَةٍ ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ سَلَمًا فِي عَبْدٍ ، وَالْفَرَسُ سَلَمًا فِي فَرَسٍ ، فَعَلَى هَذَا إِذَا كَانَ الْعَبْدُ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ عَلَى مِثْلِ صِفَةِ الْعَبْدِ الَّذِي هُوَ الْمُثَمَّنُ ، أَوْ كَانَتِ الْجَارِيَةُ الَّتِي هِيَ الثَّمَنُ مِثْلَ الْجَارِيَةِ الَّتِي هِيَ الْمُثَمَّنُ ، فَدَفَعَهَا الْمُسَلَّمُ إِلَيْهِ كَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ . فَهَلْ يَلْزَمُ الْمُسَلِّمُ قَبُولَهَا أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا : لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مَالِكًا لِلثَّمَنِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ . فَيَلْزَمُهُ قَبُولُهَا إِذَا دَفَعَهَا إِلَيْهِ كَمَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ غَيْرِهَا مِنْ أَمْلَاكِهِ .