مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ويحلق المحرم شعر المحل " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال ، لا يمنع المحرم من
nindex.php?page=treesubj&link=3438حلق شعر المحل ولا من تقليم أظافره ، فإن حلق شعره ، أو قلم ظفره فلا فدية عليه ، سواء فعله بأمره ، أو غير أمره .
وقال
أبو حنيفة : المحرم ممنوع من حلق شعر المحل ، وتقليم أظافره ، كما هو ممنوع من ذلك في نفسه ، فإن فعل فعليه الفدية استدلالا بأن كل ما أوجب على المحرم الفدية بفعله في حق نفسه ، أوجب الفدية بفعله في حق غيره كالصيد لأنه يلزم الجزاء في قتله ، إذا كان لغيره ، كما يلزمه في قتله إذا كان لنفسه .
قالوا : ولأنه محرم حلق شعر آدمي فوجب أن يلزمه الفدية ، كما لو حلق شعر نفسه .
قالوا : ولأن هذا ألزم لكم ، لأنكم منعتم المحرم تزويج نفسه ومن تزويج غيره ، فلزمكم أن تمنعوه من حلق شعره ومن حلق شعر غيره والدلالة على ما قلنا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196ولا تحلقوا رءوسكم [ البقرة : 196 ] وهذا خطاب المحرمين ، بدليل أن الحلق جائز للمحلين ، وإذا لم يكن المحل ممنوعا لم يوجب في شعره الفدية سواء حلقه محرم أو محل ، كما أن المحرم لما كان ممنوعا ، وجب في شعره الفدية ، سواء حلقه محل أو محرم .
وهذا الاستدلال لو أفرد عن الآية ، صح ، الاحتجاج به ، وقد يتحرر قياسا ، فيقال : لأنه شعر محل ، فوجب أن لا يلزمه فيه بحلقه الفدية ، كما لو حلقه محل ، ولأن كل ما لو فعله المحرم في حق نفسه ، لزمته الفدية : لأجل الترفيه به ، فإذا فعله بالمحل لم يلزمه الفدية ، كما لو ألبسه أو طيبه ، ولأنه شعر لا يتعلق بمحله حرمة الإحرام ، فلم يتعلق به حرمة الإحرام ، كالبهائم .
وأما قياسهم على قتل الصيد ، فمنتقض بالطيب واللباس ، ثم المعنى في الصيد ، أنه قد ثبت لي حرمة الإحرام بنفسه ، ألا ترى أنه قد يلزمه الحلال الجزاء في قتله . وأما قياسه على المحرم إذا حلق شعر نفسه : فغير صحيح : لأنه إن قالوا : لأنه محرم لم يؤثر في الأصل لأن المحرم تجب في شعره الفدية سواء حلقه محل أو محرم ، وإن لم يقولوا لأنه محرم انتقض بشعر المحل إذا حلقه محل على أن المعنى في شعر المحرم إن ثبت له حرمة الإحرام ، فوجبت الفدية بحلقه ، وليس كذلك شعر المحل ، وأما ما ألزموه من النكاح فغير
[ ص: 119 ] لازم : لأن النكاح لا يصح إلا بولاية والإحرام يمنع من الولاية فبطل النكاح ، والشعر وجبت فيه الفدية ، لترفه المحرم به ، والحالق المحرم لا يترفه به فلم يلزمه الفدية .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَيَحْلِقُ الْمُحْرِمُ شَعْرَ الْمَحَلِّ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، لَا يُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=3438حَلْقِ شَعْرِ الْمَحَلِّ وَلَا مِنْ تَقْلِيمِ أَظَافِرِهِ ، فَإِنْ حَلَقَ شَعْرَهُ ، أَوْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ ، سَوَاءٌ فَعَلَهُ بِأَمْرِهِ ، أَوْ غَيْرِ أَمْرِهِ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : الْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ حَلْقِ شَعْرِ الْمَحَلِّ ، وَتَقْلِيمِ أَظَافِرِهِ ، كَمَا هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ ، فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ كُلَّ مَا أَوْجَبَ عَلَى الْمُحْرِمِ الْفِدْيَةَ بِفِعْلِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ بِفِعْلِهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَالصَّيْدِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْجَزَاءُ فِي قَتْلِهِ ، إِذَا كَانَ لِغَيْرِهِ ، كَمَا يَلْزَمُهُ فِي قَتْلِهِ إِذَا كَانَ لِنَفْسِهِ .
قَالُوا : وَلِأَنَّهُ مُحْرِمٌ حَلَقَ شَعْرَ آدَمِيٍّ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ الْفِدْيَةُ ، كَمَا لَوْ حَلَقَ شَعْرَ نَفْسِهِ .
قَالُوا : وَلِأَنَّ هَذَا أَلْزَمُ لَكُمْ ، لِأَنَّكُمْ مَنَعْتُمُ الْمُحْرِمَ تَزْوِيجَ نَفْسِهِ وَمِنْ تَزْوِيجِ غَيْرِهِ ، فَلَزِمَكُمْ أَنْ تَمْنَعُوهُ مِنْ حَلْقِ شَعْرِهِ وَمِنْ حَلْقِ شَعْرِ غَيْرِهِ وَالدَّلَالَةُ عَلَى مَا قُلْنَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ [ الْبَقَرَةِ : 196 ] وَهَذَا خِطَابُ الْمُحْرِمِينَ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَلْقَ جَائِزٌ لِلْمُحِلِّينِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُحِلُّ مَمْنُوعًا لَمْ يُوجَبْ فِي شَعْرِهِ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ حَلَقَهُ مُحْرِمٌ أَوْ مُحِلٌّ ، كَمَا أَنَّ الْمُحْرِمَ لَمَّا كَانَ مَمْنُوعًا ، وَجَبَ فِي شَعْرِهِ الْفِدْيَةُ ، سَوَاءٌ حَلَقَهُ مُحِلٌّ أَوْ مُحْرِمٌ .
وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ لَوْ أُفْرِدَ عَنِ الْآيَةِ ، صَحَّ ، الِاحْتِجَاجُ بِهِ ، وَقَدْ يَتَحَرَّرُ قِيَاسًا ، فَيُقَالُ : لِأَنَّهُ شَعْرُ مُحِلٍّ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ فِيهِ بِحَلْقِهِ الْفِدْيَةُ ، كَمَا لَوْ حَلَقَهُ مُحِلٌّ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَوْ فَعَلَهُ الْمُحْرِمُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ : لِأَجْلِ التَّرْفِيهِ بِهِ ، فَإِذَا فَعَلَهُ بِالْمُحِلِّ لَمْ يَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ ، كَمَا لَوْ أَلْبَسَهُ أَوْ طَيَّبَهُ ، وَلِأَنَّهُ شَعْرٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَحَلِّهِ حُرْمَةُ الْإِحْرَامِ ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُرْمَةُ الْإِحْرَامِ ، كَالْبَهَائِمِ .
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ ، فَمُنْتَقَضٌ بِالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الصَّيْدِ ، أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لِي حُرْمَةُ الْإِحْرَامِ بِنَفْسِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يَلْزَمُهُ الْحَلَالُ الْجَزَاءَ فِي قَتْلِهِ . وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الْمُحْرِمِ إِذَا حَلَقَ شَعْرَ نَفْسِهِ : فَغَيْرُ صَحِيحٍ : لِأَنَّهُ إِنْ قَالُوا : لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ تَجِبُ فِي شَعْرِهِ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ حَلَقَهُ مُحِلٍّ أَوْ مُحْرِمٌ ، وَإِنْ لَمْ يَقُولُوا لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ انْتَقَضَ بِشَعْرِ الْمُحِلِّ إِذَا حَلَقَهُ مُحِلٌّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي شَعْرِ الْمُحْرِمِ إِنْ ثَبَتَ لَهُ حُرْمَةُ الْإِحْرَامِ ، فَوَجَبَتِ الْفِدْيَةُ بِحَلْقِهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ شَعْرُ الْمُحِلِّ ، وَأَمَّا مَا أَلْزَمُوهُ مِنَ النِّكَاحِ فَغَيْرُ
[ ص: 119 ] لَازِمٍ : لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِوِلَايَةٍ وَالْإِحْرَامَ يَمْنَعُ مِنَ الْوِلَايَةِ فَبَطَلَ النِّكَاحُ ، وَالشَّعْرُ وَجَبَتْ فِيهِ الْفِدْيَةُ ، لِتَرَفُّهِ الْمُحْرِمِ بِهِ ، وَالْحَالِقُ الْمُحْرِمُ لَا يَتْرَفَّهُ بِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ .