مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " لو كانت له معها خمس أواق فضة إلا قيراطا أو أقل لم يكن في واحد منهما زكاة ، وإذا لم يجمع التمر إلى الزبيب ، وهما يخرصان ويعشران وهما حلوان معا وأشد تقاربا في الثمن والخلقة والوزن من الذهب إلى الورق ، فكيف يجمع جامع بين الذهب والفضة ولا يجمع بين التمر والزبيب ؟ ومن فعل ذلك فقد خالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم : لأنه قال : فأخذها في أقل فإن قال ضممت إليها غيرها قيل : تضم إليها بقرا فإن قال ليست من جنسها قيل : وكذلك فالذهب ليس من جنس الورق " . ليس فيما دون خمس أواق صدقة
قال الماوردي : وهذا كما قال إذا كان معه أقل من عشرين دينارا ولو بقيراط وأقل من مائتي درهم ولو بقيراط لم يضما ولا زكاة في واحد منهما ، وبه قال ابن أبي ليلى ، والحسن بن صالح بن حي ، وأحمد ، وأبو ثور .
وقال مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وصاحباه : " فقال يضم الذهب إلى الورق " واختلفوا في كيفية ضمه مالك : يضم بالعدد فيجعل كل عشرة بدينار فإذا كان له عشر دنانير ومائة درهم ضمها وزكى ، سواء كانت العشرة تساوي مائة والمائة تساوي عشرة أم لا . وقال أبو حنيفة : تضم بالقيمة ، فإذا ضمها وزكى إلا أن يكون العدد أحوط للمساكين فيأخذ به . كان له مائة درهم وخمسة دنانير تساوي مائة
واستدلوا على جواز الضم والذين يكنزون الذهب والفضة ، [ التوبة : 34 ] ، الآية فموضع الدلالة من الآية أن الله تعالى ذكر الذهب والفضة ثم قال : ولا ينفقونها ، [ التوبة : 34 ] ، وذلك راجع إليها فلو لم يكونا في الزكاة واحدا لكانت هذه الكناية راجعة إليهما بلفظة التثنية فيقول ولا ينفقونهما فلما كنى عنهما بلفظ الجنس الواحد ثبت أن حكمهما في الزكاة واحد ، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم والرقة اسم يجمع الذهب والفضة قالوا : ولأنه لما كان حكمهما واحدا في كونهما أثمانا وقيما ، وإن قدر زكاتهما ربع العشر وجب أن يكون حكمهما واحدا في وجوب ضم أحدهما إلى الآخر كأجناس الفضة [ ص: 269 ] والذهب ، وتحرير ذلك : إن قالوا إنها من جنس الأثمان والقيم : فوجب أن يضم أحدهما إلى الآخر كأجناس الفضة وأجناس الذهب . في الرقة ربع العشر
ودليلنا رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة ، ولا فيما دون عشرين دينارا من الذهب صدقة ولا فيما دون مائتي درهم من الورق صدقة فكان نص هذا الحديث مانعا من وجوب الزكاة فيما نقص عن النصاب ودالا على بطلان الضم ، ولأنهما مالان نصابهما مختلف فوجب أن لا يضم أحدهما إلى الآخر كالبقر والغنم ، ولأنهما جنسان تجب الزكاة في عينهما ، فوجب أن لا يضم أحدهما إلى الآخر كالتمر والزبيب ، ولأن ما اعتبرت قيمته مع غيره اعتبرت قيمته وإن انفردت عن غيره كعروض التجارات ، وما لم تعتبر قيمته منفردا لم تعتبر قيمته مع غيره كالمواشي ، فلما ثبت أنه لو كان معه خمسة عشر دينارا لا غير لم تعتبر قيمتها وإن بلغت نصابا ، وهذا الاعتلال يتحرر من اعتلاله قياسان .
أحدهما : أن نقول : لأنه مال لا تعتبر قيمته بانفراده فوجب أن لا تعتبر قيمته مع غيره كالمواشي .
والثاني : أن نقول : لأنه مال تجب الزكاة في عينه فلم يجب اعتبار قيمته كالمنفرد .
الجواب : أما الآية فلا دلالة فيها : لأنه إن جعلها دليلا على تساوي حكمهما من كل وجه لم يصح لاختلاف نصها ، وإن جعلها دليلا على تساوي حكمهما من وجه قلنا بموجبها وسوينا بين حكميهما في وجوب الزكاة فيهما ، وأما قوله في الرقة ربع العشر فهو اسم للفضة والذهب على قول ثعلب ، وقد خالفه ابن قتيبة ، ولو صح لم يكن فيه حجة : لأن المقصود به إبانة قدر الزكاة الواجبة فلم يجز أن يعدل به عما قصد له ولو جاز ضمهما : لأن الاسم يجمعهما لجاز ضم الإبل والبقر : لأن اسم الماشية يجمعها ، وأما قياسهم على أجناس الفضة وأجناس الذهب فالمعنى فيه أن الفضة جنس وإن تنوعت ، فلذلك ضم بعضها إلى بعض ، وليس الذهب من جنسها فلم يجز أن يضم إليها والله أعلم .