[ ص: 67 ] باب البكاء على الميت
قال الشافعي رحمه الله تعالى : " وأرخص في البكاء بلا ندب ولا نياحة ؛ لما في النوح من تجديد الحزن ومنع الصبر وعظيم الإثم . وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " " وذكر ذلك إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ابن عباس لعائشة فقالت : عمر ، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله ليعذب الميت ببكاء أهله عليه " ولكن قال " إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه " ( قال ) وقالت عائشة : حسبكم القرآن ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وقال ابن عباس عند ذلك : الله أضحك وأبكى ( قال رحم الله الشافعي ) ما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أشبه بدلالة الكتاب والسنة . قال الله جل وعز ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وقال لتجزى كل نفس بما تسعى ، وقال عليه السلام لرجل في ابنه وما زيد في عذاب الكافر فباستيجابه له لا بذنب غيره ( قال إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه المزني ) : بلغني أنهم كانوا يوصون بالبكاء عليه وبالنياحة أو بهما وهي معصية ، ومن أمر بها فعملت بعده كانت له ذنبا ، فيجوز أن يزاد بذنبه عذابا - كما قال الشافعي - لا بذنب غيره " .
قال الماوردي : وهو صحيح .
أما فكل ذلك محظور حرام ؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه النوح والتعديد ، ولطم الخدود ، والدعاء بالويل والثبور لعن النائحة والمستمعة ، ونهى عن الصياح والمأتم . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أنهاكم عن صوتين فاجرين : صوت عند المصيبة ، وصوت عند نغمة " ، قيل : المراد به النياحة عند المصيبة ، والمزمار عند النغمة .
وروت امرأة أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ، فالحلق هو [ ص: 68 ] حلق الشعر ، والسلق هو أن تنوح بلسانها ، قال الله سبحانه : " ليس منا من حلق أو سلق " سلقوكم بألسنة حداد ، [ الأحزاب : 19 ] .
وروى قتيبة في غريب الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من النساء السالقة والحالقة ، والخارقة والممتهشة .
فالسالقة : التي ترفع صوتها بالصراخ عند المصيبة ، والحالقة : التي تحلق شعرها ، والخارقة : التي تخرق ثوبها ، والممتهشة : التي تخمش وجهها فتأخذ لحمه بأظفارها منه ، وقيل نهشة الكلاب ، والممهشة : التي تحلق وجهها بالموسى للتزين .