الحادية عشرة : ، قال بعضهم : الوصية باطلة ; لأن الوصية اقتضت النصف باستثناء النصف [ ص: 202 ] استثناء للكل من الكل ، وهو باطل ، فيبطل الاستثناء والوصية ، وكذلك إذا ترك ابنين ، وقال : إلا ثلث المال ، أو ثلاثة ، وقال : إلا ربع المال ، وقال : حساب الجبر الوصية ، والاستثناء صحيحان بأن تجعل التركة مالا ، والموصى به نصيبا أبدا ، وتستثنيه من المال ، فيكون مالا إلا نصيبا ، كأنا أعطيناه الموصى له ، ثم تسترجع منه في المسألة الأولى مثل نصف المال ، فيصير مالا إلا نصف مال إلا نصيبا يعدل نصيب الابن ، تجبره بنصيب ، وتزيد على مقابله مثله يصير مالا ونصفا يعدل نصيبين ، فتبسطها أنصافا ، يكون النصيبان أربعة ، والمال والنصف ثلاثة ، فتقلب العبارة ، وتحول ، فيكون المال أربعة والنصيب ثلاثة ، وهذا هو النصيب الموصى به تسترجع منه نصف المال وهو اثنان ، يبقى له واحد ، فقد صحت الوصية والاستثناء . ترك ابنا ، وأوصى بأن يكون الموصى له ابنا مع ابنه إلا نصف المال
واعلم أن مقتضى هذا العمل ألا يفضل للموصى له إلا واحد أبدا ، والامتحان يوضحه ; لأنه لو ترك أربعة بنين ، وأوصى بخامس إلا خمس المال ، فتجعل التركة مالا ، وتخرج منها نصيبا إلا خمس المال ، يبقى مال ، وخمس إلا نصيبا يعدل أنصباء البنين ، فتجبر وتقابل ، فيصير مالا وخمسا يعدل خمسة أنصباء ، فتبسطها أخماسا يصير المال ستة ، والأنصباء عشرين ، وتقلب وتحول يصير النصيب الموصى به ستة مستثنى منه خمس المال وهو خمسة ، يبقى بيده واحد ، وكذلك سائر مسائل هذا الباب .
فإن قيل : هب أن الجبر ، والمقابلة أديا بهذا العمل ، إلا أن الإشكال قائم ، فإنكم إن جعلتم النصيب الموصى به قبل ورود الاستثناء عليه في المسألة الأولى مثلا النصف بطل الاستثناء إن أعدتموه عليه ، وإن أعدتموه على أصل المال صح ، إلا أن يبقى المعنى استثنيت من جملة المال النصف ، والوصية فيما عداه ، فيستقيم في الابن الواحد ، فإنه يحصل له من المال سهمان خاصان به ، وسهم آخر ماثل به الموصى له ، فقد صار نصف المال لا وصية فيه ، والنصف الآخر وقعت فيه المماثلة ، إلا أن ذلك لا يتأتى في باقي الصور مع أن الصيغ متساوية في المعنى من جهة أن المستثنى مساو للموصى به .
[ ص: 203 ] وبيانه أن العمل أدى في صورة أربعة بنين إلى أن جعل للموصى له سهم واحد ، والمال خمسة وعشرون ، فوقعت المماثلة في سهمين من خمسة وعشرين ، وبقي ثلاثة وعشرون مخرجة عن الوصي ، والمستثنى كان نصيبا فقط ، ومعلوم أن ثلاثة وعشرين أكثر من خمس خمسة وعشرين ، فبطل هذا العمل ، وإن أعدتم الاستثناء على أمر مجهول كان باطلا ; لأنه يحكم في قوله على غير معلوم ، والشريعة تأباه ; لأن مقتضاها اتباع لفظ الموصي إن فهم ، فإن تعذر فهمه وجب التوقف ، والباحث في هذه المسائل لا بد أن يجمع بين قاعدة العرب في الاستثناء ، والأحكام الشرعية ، وإتقان الحساب ، ومتى أهمل أحدها أخطأ .
قلنا : الاستثناء عائد على أقرب مذكور وهو قاعدة العرب ، والمستثنى منه مذكور معلوم ، وليس الكل من الكل ; لأن الموصي قال : أعطوا هذا نصيب ولد خامس ، فيكون مع أولادي الأربعة مثلا مماثلا للولد الخامس ، فيبعد الاستثناء على المماثلة ; لأنها أقرب ، ويكون معنى الكلام : ماثلوا بين ما تعطونه للموصى له وبين الولد المقدر زيادته فيما يأخذه إلا خمس المال ، والاستثناء من الإيجاب نفي ، فيكون الخمس لا تقع المماثلة فيه ، والمماثلة والمخالفة ضدان لا واسطة بينهما ، ومتى كان الاستثناء من أحد الضدين لا واسطة بينهما أضيف المستثنى للضد الآخر ، كقولنا : كل القوم متحرك إلا زيدا ، فمعناه ساكن ، فيصير معنى الكلام : الولد المقدر الخامس يخالف الموصى له بخمس المال ، ويماثله في غير ذلك ، وكذلك فعلنا ، فإن المال لما خرج خمسة وعشرون ، وأعطينا الموصى له سهما بعد الاستثناء بقي أربعة وعشرون لأربعة بنين ستة ستة ، فزاد الولد على الموصى له بخمسة أسهم ، وهو خمس المال ، وكذلك مسألة الابن الواحد زاد الابن سهمين خالف الموصى له بهما ، وماثله بالسهم الثالث ، فظهر أن الاستثناء غير مستغرق ، وصحت القواعد والعبارة الدالة أن المستثنى منه هو المستثنى ، وجزء من مخرجه أبدا ، لما علمت أن الموصى له لا يحصل له دائما في هذه المسائل إلا سهم ، ومتى أضفت سهما للمستثنى ، وهو الخمس مثلا كان واحدا من خمسة ، فالموصى به ستة ، أو تقول : المستثنى منه هو أجزاء مستوية إذا أخرج منها المستثنى بقي واحد .
[ ص: 204 ] وينبغي للعالم أن يضبط هذه المباحث سؤالا وجوابا فإنها من نفائس العلم ، وهي مشكلة لا يصل إليها كثير من الناس .