فوائد : اعلم أن هذه قاعدة جليلة ، ولعلها أعظم قواعد الحساب فائدة ، منها أحكام التناسب الذي بين أعداد الجبر والمقابلة من الشيء والمال والكعب وغيره على ما سيأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى ، وهي سر عظيم في الجبر والمقابلة عظيمة النفع في استخراج المجهولات في الجبر وغيره ، ويستخرج منها حساب المواريث في الانكسار على الأحياز وحساب المناسخات .
وبيانه أن حساب المناسخات يرجع إلى حساب الانكسار على أحد الأحياز ، لأن النظر الثاني هو حيز من الورثة لم تنقسم عليهم سهامهم ، ولما كنا نوفق بين السهام والحيز في الفرائض وفقنا هاهنا ، ولما كنا نضرب جملة الحيز ثمت ضربنا جملة المسألة الثانية هاهنا ، وكان مقتضى القياس أن نضرب عدد الورثة في البطن الثاني هاهنا لأنهم مثل الحيز في الفرائض ، لكن المانع أنا إذا ضربنا عدد الورثة فلا بد أن يقسم بعد ذلك ، وحقيقة القسمة طلب ما في المقسوم من أمثال المقسوم عليه ، فيخرج بالقسمة أنصباء متفقة متساوية ، وورثة البطن الثاني قد يكونون [ ص: 140 ] مختلفين فامتنعت القسمة ، والحيز في الفرائض مستوون هم وأنصباؤهم ، فلو كان ورثة البطن مستوية أنصباؤهم تخيرنا بين ضربهم في أصل المسألة وبين ضرب مسألتهم وإن لم نخير في ضرب الحيز في الفرائض وضرب سهامه ضرورة اختلاف العددين ، وإنما قلنا في المناسخات من له شيء من المسألة الأولى أخذه مضروبا في المسألة الثانية لأن جميع أجزاء المسألة الأولى ضوعف بعدد أجزاء المسألة الثانية : لأن جميع أجزاء المسألة الأولى بعدده آحاد المسألة الثانية ، لأن ذلك من ضرورة الضرب فلذلك ضربنا في المسألة الثانية وقلنا من له شيء من المسألة الثانية أخذه مضروبا في سهام مورثه ولم نقل في المسألة ، لأنا ضربنا إحدى المسألتين في الأخرى فضاعفنا كل واحدة منهما بعدد آحاد الأخرى .
فإذا قلنا من له شيء من المسألة الأولى أخذه مضروبا في الثانية لم يبق من الأولى إلا سهام البطن الثاني وهي سهام مورثهم ، ولم يبق شيء يضرب فيه سواه ، فلذلك ضربنا فيه وحده ، أو نقول إذا ضربنا الثانية في الأولى فقد ضاعفنا الثانية بعدد آحاد الأولى : فيكون المتحصل جملة هو البطن الأول والثاني ، فلو أعطينا أصحاب المسألة الثانية من له شيء من سهامه مضروبا في الأولى لم يبق لأصحاب الأولى شيء ، وما سبب هذا الفساد إلا أن الذي يستحقه أصحاب الثانية سهامهم لا مسألتهم ، لأن استحقاقهم تابع لمورثهم ، وإذا لم يستحقوا إلا سهامهم وهي قد ضوعفت بالضرب في مسألتهم مع جملة المسألة الأولى : ولا فرق بين ضرب سهامهم في مسألتهم وضرب مسألتهم في سهامهم ، فكأنا ضربنا مسألتهم في سهامهم لما ضربنا المسألة الأولى في الثانية ، ولذلك قلنا من له شيء من المسألة الأولى أخذه مضروبا في سهام مورثه ، ويؤكد ذلك أن الحيز من الورثة إذا انكسرت عليه سهامه فضربنا عدد رءوسه في المسألة قلنا من له شيء من الحيز أخذه مضروبا في الحيز ، فرءوس الحيز مثل المسألة الثانية في المناسخات ، ونصيب الحيز مثل سهام الميت الثاني في المناسخات ، ولما لم يعط الحيز إلا سهامه مضروبة في رءوسه الذي هو مساو لضرب رءوسه في سهامه ، كذلك لا يعطى أهل المسألة [ ص: 141 ] الثانية إلا ما يستحقونه من مسألتهم مضروبا في سهامهم ، ولم نقل من له شيء من أهل الحيز أخذه مضروبا في سهامه ، لأن مسألتهم غير معلومة إلى الآن بخلاف المناسخات .
إذا تقرر أن المناسخات ترجع للانكسار على الأحياز وتبين أن الانكسار على الأحياز يرجع للقاعدة فنقول : إذا انكسرت السهام على بعض الورثة ولم يوافق ، فتضرب الرءوس في أصل المسألة وتصح منه ، لأن نسبة الواحد من الحيز إلى جملته كنسبة المسألة الأولى للثانية ، لأن المسألة الأولى ضوعفت بعدد آحاد الحيز ضرورة أنها ضربت فيه ، والضرب : المضاعفة بعدد المضروب فيه ، فعدد آحاد الحيز هو عدد أضعاف المسألة الأولى : فنسبة أحد آحاد الحيز إليه كنسبة أحد الأضعاف إليها ، لكن أحد الأضعاف هو المسألة الأولى : وجملة الأضعاف هو المسألة الثانية ، فصدق قولنا إن الواحد للحيز كنسبة المسألة الأولى للثانية .
إذا تقرر هذا فنقول : المجهول المسئول عنه هو قسمة التركة بعدد الورثة بحسب سهامهم ، وهذا هو المسألة الثانية وهو الطرف الرابع ، فمقتضى القاعدة إنما تضرب الثاني في الثالث ، وهو الفريضة الأولى ، وهو جملة الحيز في المسألة الأولى وتقسم المتحصل على الأول وهو الواحد من الحيز والقسمة على الواحد فخرج جملة المقسوم ، فيخرج لنا جملة المسألة الثانية وهو المجهول المسئول عنه ، وكذلك إذا كان العمل بالوقف فقط فنقول : نسبة الواحد من الوفق إليه كنسبة المسألة الأولى إلى الثانية ، وتكمل العمل إلى آخره ، فإن كان الوفق واحدا فالضرب فيه لا يفيد شيئا ، ولما كان العمل في المناسخة على سهام البطن الثاني دون عدد رءوسهم فنقول : نسبة الواحد من آحاد مسألة المتوفى إلى جملة آحاده كنسبة المسألة الكائنة قبل موت الثاني إلى الكائنة بعده ، لأن الكائنة قبل موته ضوعفت بعدد آحاد مسألة المتوفى ، فنسبة الواحد منها إلى جملة الآحاد كنسبة الضعف الواحد من الأضعاف إلى جملة الأضعاف ضرورة استواء العددين ، لكن الضعف الواحد هو الكائنة قبل موته ، وجملة الأضعاف هي الكائنة بعد موته ، فتضرب الثاني وهو جملة آحاد مسألة المتوفى في الثالث وهي المسألة الكائنة قبل موته ، [ ص: 142 ] وكذلك فعل الفرضيون ، ثم تقسم المتحصل على الأول وهو الواحد من آحاد مسألة المتوفى والقسمة على الواحد يخرج جملة المقسوم ، وجملة المقسوم هو المتحصل من جملة الضرب وهو الواحد المجهول المسئول عنه .
وكذلك إن جعلت الطرفين وسطين ، والوسطين طرفين ، وقلت نسبة المسألة الكائنة قبل موت الثاني إلى الكائنة بعده كنسبة الواحد من آحاد مسألة المتوفى إلى جملة آحاده ، فيكون المجهول هو الثاني من المقادير الأربعة ، فتضرب الأول وهو المسألة الكائنة قبل موته في الرابع وهو جملة آحاد مسألته وتقسم على الثالث وهو الواحد من آحاد مسألته فيخرج جملة المقسوم وهو المجهول ، فظهر أن الانكسار في الفرائض والمناسخات يخرج الجميع بهذه القاعدة مع ما يأتي من عمليات الجبر والمقابلة فيكون ذلك ثلاث فوائد .
الفائدة الرابعة تسمى السعر والمسعر والثمن والمثمن ، ويكون السعر والثمن من جنس ، والمسعر والمثمن من جنس ، ويكون واحد من الأربعة مجهولا فتضرب أحد الأربعة وهو الذي يوافق المجهول في الاسم ويخالفه في الجنس فيما ليس من جنسه ، ويقسم المبلغ على المقدار الباقي فالخارج المجهول . معاملات الناس والأربعة المتناسبة فيها
مثاله القنطار بأربعة وعشرين ، كم ثمن ستة أرطال وربع ؟ تضرب ستة وربعا في أربعة وعشرين تبلغ مائة وخمسين ، تقسمها على عدد أرطال القنطار وهو مائة يخرج واحد ونصف وهو المطلوب .
فإن قيل كم بأربعة دنانير ونصف ؟ ضربت أربعة ونصفا في مائة تبلغ أربعمائة وخمسين تقسمها على أربعة وعشرين تخرج ثمانية عشر ونصف وربع وهو الجواب .
القاعدة السادسة ، من المشهورات في البديهيات الأوليات أن الجزء أقل من الكل ، وفي العدديات انتقص ذلك ، فكان متى نقص الكل عن الواحد كان جزؤه أعظم منه ، أو كان الكل واحدا ساواه جزؤه ، أو زاد على الواحد نقص جزؤه [ ص: 143 ] عنه ، فإذا أردت أن تعلم جزء مقدار فاعلم نسبة الواحد منه وخذ تلك النسبة من الواحد فما كان فهو جزء ذلك المقدار .
مثاله إن خرج الشيء ثلاثة فجزؤه ثلث ، وإن خرج اثنين ونصفا فجزؤه خمسان ، وإن خرج واحدا فجزؤه واحد ، وإن خرج ثلثين فجزؤه واحد ونصف ، لأن نسبة الواحد للمثلين مثلها ومثل نصفها ، فالجزء واحد ونصف .