قال : ( ثم يتوجه إلى عرفات فيقيم بها ) لما روينا وهذا بيان الأولوية . أما لو [ ص: 142 ] دفع قبله جاز لأنه لا يتعلق بهذا المقام حكم . قال في الأصل وينزل بها مع الناس لأن الانتباذ تجبر والحال حال تضرع والإجابة في الجمع أرجى ، وقيل مراده أن لا ينزل على الطريق كي لا يضيق على المارة . قال : ( وإذا زالت الشمس يصلي الإمام بالناس الظهر والعصر فيبتدئ [ ص: 143 ] بالخطبة فيخطب خطبة يعلم فيها الناس الوقوف بعرفة والمزدلفة ورمي الجمار والنحر والحلق وطواف الزيارة يخطب خطبتين يفصل بينهما بجلسة كما في الجمعة ) هكذا فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وقال رحمه الله : يخطب بعد الصلاة لأنها خطبة وعظ وتذكير فأشبه خطبة العيد . ولنا ما روينا ولأن المقصود منها تعليم المناسك والجمع منها ، وفي ظاهر المذهب إذا صعد الإمام المنبر فجلس أذن المؤذنون كما في الجمعة ، وعن أبي [ ص: 144 ] يوسف رحمه الله : أنه يؤذن قبل خروج الإمام . وعنه أنه يؤذن بعد الخطبة والصحيح ما ذكرنا ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما خرج واستوى على ناقته أذن المؤذنون بين يديه ، ويقيم المؤذن بعد الفراغ من الخطبة لأنه أوان الشروع في الصلاة فأشبه الجمعة . قال : ( ويصلي بهم الظهر والعصر في وقت الظهر بأذان وإقامتين ) وقد ورد النقل المستفيض باتفاق الرواة بالجمع بين الصلاتين ، وفيما روى مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما بأذان وإقامتين ; ثم بيانه أنه يؤذن للظهر ويقيم للظهر ; ثم يقيم للعصر لأن العصر يؤدى قبل وقته المعهود فيفرد بالإقامة إعلاما للناس ( ولا يتطوع بين الصلاتين ) تحصيلا لمقصود الوقوف ، ولهذا قدم العصر على وقته فلو أنه فعل مكروها وأعاد الأذان للعصر في ظاهر الرواية خلافا لما روي عن جابر رحمه الله ; لأن الاشتغال بالتطوع أو بعمل آخر يقطع فور الأذان الأول فيعيده للعصر ( فإن صلى بغير خطبة أجزأه ) لأن هذه الخطبة ليست بفريضة . قال : ( ومن صلى الظهر في رحله وحده صلى العصر في وقته ) عند محمد رحمه الله : وقالا يجمع بينهما المنفرد ، لأن جواز الجمع للحاجة إلى امتداد الوقوف ، والمنفرد محتاج إليه ، أبي حنيفة رحمه الله : أن المحافظة على الوقت فرض بالنصوص ، فلا يجوز تركه إلا فيما ورد الشرع به وهو الجمع بالجماعة مع الإمام والتقديم لصيانة الجماعة لأنه يعسر عليهم الاجتماع للعصر بعد ما تفرقوا في الموقف لا لما ذكراه إذ لا منافاة ، ثم عند ولأبي حنيفة رحمه الله : الإمام شرط في الصلاتين جميعا ، وقال أبي حنيفة رحمه الله : في العصر خاصة لأنه [ ص: 145 ] هو المغير عن وقته وعلى هذا الخلاف الإحرام بالحج ، زفر رحمه الله أن التقديم على خلاف القياس عرفت شرعيته فيما إذا كانت العصر مرتبة على ظهر مؤدى بالجماعة مع الإمام في حالة الإحرام بالحج فيقتصر عليه ، ثم لا بد من الإحرام بالحج قبل الزوال في رواية تقديما للإحرام على وقت الجمع ، وفي أخرى يكتفي بالتقديم على الصلاة لأن المقصود هو الصلاة . قال : ( ثم يتوجه إلى الموقف فيقف بقرب الجبل والقوم معه عقيب انصرافهم من الصلاة ) لأن النبي عليه الصلاة والسلام راح إلى الموقف عقيب الصلاة والجبل يسمى ولأبي حنيفة جبل الرحمة والموقف الموقف الأعظم . قال : ( وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة ) لقوله عليه الصلاة والسلام { عرفات كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة ، والمزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن وادي محسر }. [ ص: 146 - 147 ] قال : ( وينبغي للإمام أن يقف بعرفة على راحلته ) لأن النبي عليه الصلاة والسلام وقف على ناقته ( وإن وقف على قدميه جاز ) والأول أفضل لما بينا ( وينبغي أن يقف مستقبل القبلة ) لأن النبي عليه السلام وقف كذلك ، وقال النبي عليه السلام { }. [ ص: 148 - 149 ] ( ويدعو ويعلم الناس المناسك ) لما روي { خير المواقف ما استقبلت به القبلة أن النبي عليه السلام كان يدعو يوم عرفة مادا يديه كالمستطعم المسكين }. [ ص: 150 ] ( ويدعو بما شاء ) وإن ورد الآثار ببعض الدعوات ، وقد أوردنا تفصيلها في كتابنا المترجم بعدة الناسك في عدة من المناسك بتوفيق الله تعالى . قال : ( وينبغي للناس أن يقفوا بقرب الإمام ) لأنه يدعو ويعلم فيعوا ويسمعوا ( وينبغي أن يقف وراء الإمام ) ليكون مستقبل القبلة ، وهذا بيان الأفضلية لأن عرفات كلها موقف على ما ذكرنا . قال : ( ويستحب أن يغتسل قبل بعرفة ، ويجتهد في الدعاء ) أما الاغتسال فهو سنة وليس بواجب ، ولو اكتفى بالوضوء جاز كما في الجمعة والعيدين وعند الإحرام ; وأما الاجتهاد فلأنه عليه الصلاة والسلام اجتهد في الدعاء في هذا الموقف لأمته فاستجيب له إلا في الدماء والمظالم . الوقوف
[ ص: 151 ] ( ويلبي في موقفه ساعة بعد ساعة ) وقال رحمه الله : يقطع التلبية كما يقف مالك بعرفة لأن الإجابة باللسان قبل الاشتغال بالأركان . ولنا ما روي { جمرة العقبة }ولأن التلبية فيه كالتكبير في الصلاة فيأتي بها إلى آخر جزء من الإحرام . قال : ( وإذا غربت الشمس أفاض الإمام والناس معه على هينتهم حتى يأتوا أن النبي عليه الصلاة والسلام ما زال يلبي حتى أتى المزدلفة ) لأن النبي عليه الصلاة والسلام دفع بعد غروب الشمس ، ولأن فيه إظهار مخالفة المشركين . [ ص: 152 - 153 ] وكان النبي عليه الصلاة والسلام يمشي على راحلته في الطريق على هينته ، فإن خاف الزحام فدفع قبل الإمام ولم يجاوز حدود عرفة أجزأه لأنه لم يفض من عرفة . والأفضل أن يقف في مقامه كي لا يكون آخذا في الأداء قبل وقتها . [ ص: 154 ] ( فلو مكث قليلا بعد غروب الشمس وإفاضة الإمام لخوف الزحام فلا بأس به ) لما روي " أن عائشة رضي الله عنهابعد إفاضة الإمام دعت بشراب فأفطرت ثم أفاضت " .