( 95 ) حدثنا ، ثنا عبيد بن غنام الكوفي ، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثني خالد بن مخلد عبد الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري ، حدثني ، حدثني ابن شهاب عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن عبد الله بن كعب ، كعب ، قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما هم ببني الأصفر يغزوهم جلى للناس أمرهم ، وكان قلما أراد غزوة إلا ورى بغيرها عنها ، حتى كانت تلك الغزوة فاستقبل حرا شديدا ، وسفرا بعيدا ، وعدوا جديدا ، فكشف للناس الوجه الذي خرج بهم إليهم ليتأهبوا في ذلك أهبة عدوهم ، فتجهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتجهز الناس معه وطفقت أغدو لأتجهز فأرجع ولم أقض شيئا ، حتى فزع الناس ، وقيل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غاد وخارج إلى وجهه ، فقلت : أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم أدركهم ، وعندي راحلتان ، وما اجتمعت عندي راحلتان قط قبلهما ، فأنا قادر في نفسي ، قوي بعدتي ، فما زلت أغدو بعده فأرجع ولم أقض شيئا ، حتى أمعن القوم وأسرعوا ، وطفقت أغدو للحديث ، ويشغلني الرجال ، فأجمعت القعود حتى سبقني القوم ، وطفقت أغدو فلا أرى إلا رجلا ممن عذر الله جل اسمه أو رجلا مغموصا في النفاق ، ويحزنني ذلك ، فطفقت أعد العذر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جاء ، وأهييء الكلام ، وقدر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 54 ] أن لا يذكرني حتى نزل تبوك ، فقال للناس ، وهو جالس بتبوك : " ما فعل كعب بن مالك ؟ " ، فقام إليه رجل من قومي فقال : شغله برداه ، والنظر في عطفيه ، فتكلم رجل آخر ، فقال : والله يا رسول الله إن علمنا إلا خيرا ، فصمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما قيل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم زاح عني الباطل ، وما كنت أجمع من الكذب والعذر ، وعرفت أنه لن ينجيني منه إلا الصدق ، فأجمعت صدقه ، وصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، فقدم فغدوت إليه ، فإذا هو في الناس جالس في المسجد ، وكان قلما نظر إلي دعاني ، فقال : " هلم يا كعب ، ما خلفك عني ؟ " ، وتبسم تبسم المغضب ، قلت : يا رسول الله لا عذر لي ، ما كنت قط أقوى ، ولا أيسر مني حين تخلفت عنك ، وقد جاء المخلفون يحلفون فيقبل منهم ويستغفر لهم ، ويكل سرائرهم في ذلك إلى الله - عز وجل - ، فلما صدقه قال : " أما هذا فقد صدق ، فقم حتى يقضي الله فيك ما هو قاض " ، فقمت فقام إلي رجل من بني سلمة فقال : والله ما صنعت شيئا ، والله إن كان لكافيك من ذنبك الذي أذنبت استغفار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لك كما صنع ذلك بغيرك ، فقد قبل منهم عذرهم واستغفر لهم ، فما زالوا يلومونني حتى تمنيت أن أرجع فأكذب نفسي ، ثم قلت لهم : هل قال له هذه المقالة أحد واعتذر بمثل ما اعتذرت به أحد ؟ ، قالوا : نعم ، قلت : من ؟ ، قالوا : هلال بن أمية الواقفي ، وربيعة بن مرارة العمري ، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا ، قد اعتذرا بمثل الذي اعتذرت ، وقيل لهما مثل الذي قيل لك ، ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا ، فطفقنا نغدو في الناس ولا يكلمنا أحد كلمة ، ولا يسلم علينا ولا يرد علينا سلامنا ، حتى إذا دنت أربعون ليلة جاءنا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن اعتزلوا نساءكم ، فأما هلال بن أمية فجاءت امرأته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت : إنه شيخ ضعيف [ ص: 55 ] بصره ، فهل تكره أن أصنع له طعاما ؟ ، قال : " لا ، ولكن لا يقربنك " ، قالت : والله ما به من حركة إلى شيء ، والله ما زال يبكي إذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا ، قال : فقال لي أهلي : لو استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما استأذنت امرأة هلال بن أمية أن تخدمه ، قال : فقلت : والله ما أستأذنه فيها ، وما أدري ما يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن استأذنته ، وهو شيخ كبير وأنا شاب ، فقلت لامرأتي : الحقي بأهلك حتى يقضي الله ما هو قاض ، وطفقنا نمشي في الناس ولا يكلمنا أحد ، ولا يرد علينا سلام ، فأقبلت حتى تسورت جدارا لابن عمي في حائطه ، فسلمت عليه فما حرك شفتيه يرد علي السلام ، فقلت : أنشدك بالله ، أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟ ، فما كلمني كلمة ، ثم عدت فلم يكلمني ، ثم عدت فلم يكلمني ، حتى إذا كملت الرابعة أو الثالثة ، قال : الله ورسوله أعلم ، فرجعت وإني لأمشي في السوق وإذا الناس يشيرون إلي بأيديهم ، فإذا نبطي من نبط الشام يسأل عني ، فجعلوا يشيرون له إلي حتى جاءني فدفع إلي كتابا من بعض قومي بالشام : قد بلغنا ما صنع بك صاحبك وجفوته عنك ، فالحق بنا ، وإن الله - عز وجل - لم يجعلك بدار هوان ولا دار مضيعة نواسك في أموالنا ، قال : قلت : إنا لله ، في طمع أهل الكفر ، فتيممت له تنورا فسجرته لها ، فوالله أنا لعلى تلك الحال التي ذكر الله - تعالى - قد ضاقت علينا الأرض بما رحبت وضاقت علينا أنفسنا ، صباحية ليلة منذ نهي عن كلامنا أنزلت التوبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم آذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علينا حين صلى الفجر ، فذهب الناس يبشروننا ، وركض رجل إلى فرس ، أو سعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل ، وكان الصوت أسرع من الفرس ، فنادى : يا أبشر ، فخررت ساجدا ، وعرفت أن قد جاء الفرج ، فلما جاءني الذي سمعت صوته دفعت له ثوبين بشراه ، والله ما أملك يومئذ ثوبين غيرهما ، واستعرت ثوبين [ ص: 56 ] فخرجت قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بتوبة الله علي ، حتى دخلت المسجد ، فقام إلي كعب بن مالك يهرول حتى صافحني وهنأني ، ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره ، فكان طلحة بن عبيد الله كعب يعرف ذلك لطلحة ، ثم أقبلت حتى وقفت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأن وجهه قطعة قمر ، وكان إذا سر استنار وجهه لذلك ، فناداني : " هلم يا كعب ، أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك " ، قال : قلت : أمن عند الله أم من عندك ؟ ، قال : " لا ، بل من عند الله ، إنكم صدقتم الله فصدقكم " ، قال : قلت : فإن من توبتي إليه أن أخرج من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " " ، قلت : أمسك سهمي أمسك عليك بعض مالك بخيبر ، قال كعب : فوالله ما أبلى الله رجلا في صدق الحديث ما أبلاني . عن أبيه