الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
وعن مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=14806العلاء بن عبد الرحمن أنه سمعه يقول nindex.php?page=treesubj&link=19539_20034_24359_10243_23468_9241ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع عبد إلا رفعه الله قال مالك لا أدري أيرفع هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا
1885 1838 - ( مالك عن العلاء بن عبد الرحمن ) ابن يعقوب المدني ، ثقة صدوق ، ( أنه سمعه يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=10354700ما نقصت صدقة من مال ) ، بل يزيد الله فيه ما نقص منه ، ويحتمل أنه وإن نقص فله في الآخرة من الأجر ما يجبر ذلك النقص ويحتمل أن يجمع له الأمران ، قاله عياض .
وقال الطيبي : يحتمل أن " من " زائدة ، أي ما نقصت صدقة مالا ، ويحتمل أنها صلة لـ " نقصت " ، والمفعول الأول محذوف ، أي ما نقصت شيئا من مال ، بل يزيد في الدنيا بالبركة فيه ، ودفع المفاسد عنه والإخلاف عليه بما هو أجدى ، وأنفع ، وأكثر ، وأطيب ، وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ، أو في الآخرة بإجزال الأجر وتضعيفه ، أو فيهما وذلك جائز لإضعاف ذلك النقص ، بل وقع لبعض العلماء أنه تصدق من ماله ، فلم يجد فيه نقصا ، قال الفاكهاني : أخبرني من أثق به أنه تصدق من عشرين درهما بدرهم ، فوزنها فلم تنقص قال : وأنا وقع لي ذلك .
وقول الكلاباذي يراد بالصدقة الفرض ، وبإخراجها ما لم ينقص ماله لكونها دينا - فيه بعد لا يخفى .
( وما زاد الله عبدا بعفو ) ، أي تجاوز عن الانتصار ( إلا عزا ) ، أي رفعة في الدنيا فمن عرف بالصفح ساد وعظم في القلوب ، فيزيد عزة في الدنيا والآخرة ، بأن يعظم ثوابه ، أو فيهما قاله عياض .
( وما تواضع عبد ) من المؤمنين رقا عبودية لله في الائتمار بأمره ، والانتهاء عن نهيه ، ومشاهدته لحقارة نفسه ، ونفي العجب عنها ، ففي لفظ " عبد " إشعار بأن ذلك شأنه ، ولمسلم وغيره : وما تواضع أحد لله ( إلا رفعه الله ) ، في الدنيا بأن يثبت له في القلوب المحبة والمكانة ، أو في الآخرة بأن ينيله الرفعة فيها لتواضعه في الدنيا ، أو فيهما ، وقد ظهر صدق الحديث ، فإن هذه الوجوه كلها موجودة في الدنيا ، وفي هذا كله رد قول من يقول : الصبر والحلم الذل ، ومن قاله من الأجلة ، فإنما أراد أنه يشبهه في الاحتمال وعدم الانتصار ، قاله عياض .
وقال القرطبي : nindex.php?page=treesubj&link=19540التواضع انكسار ، والتذلل ضد التكبر ، فالتواضع إن كان لله ، أو لرسوله ، أو للحاكم ، أو للعالم ، فهذا واجب يرفع الله به في الدارين ، وأما لسائر الخلق فإن قصد به [ ص: 679 ] وجه الله ، فإن الله يرفع قدر صاحبه في القلوب ، ويطيب ذكره في الأفواه ، ويرفع قدره في الآخرة ، وإن فعل ذلك لأجل الدنيا فلا عز معه .
وقال غيره : من تواضع لله في تحمل مؤنة خلقه كفاه الله مؤنة ما يرفعه إلى هذا المقام ، ومن تواضع في قبول الحق ممن دونه قبل الله منه مدحور طاعته ، ونفعه بقليل حسناته ، وزاد في رفع درجاته ، وحفظه بمعقبات رحمته من بين يديه ومن خلفه .
واعلم أن من جبلة الإنسان الشح بالمال ، ومشايعة السبعية من إيثار الغضب ، والانتقام والاسترسال في الكبر الذي هو من نتائج الشيطنة ، فأراد - صلى الله عليه وسلم - أن يقلعها ، فحث أولا على الصدقة ليتحلى بالسخاء والكرم ، وثانيا على العفو ليتعزز بعز الحكم والوقار ، وثالثا على التواضع ليرفع درجاته في الدارين .
( قال ) مالك : ( لا أدري أيرفع ) العلاء ( هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أم لا ؟ ) شك في رفعه ، ومثله لا يكون رأيا ، وأسنده عنه جماعة ، وهو محفوظ مسند قاله ابن عبد البر ، وأخرجه مسلم والترمذي من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتابعه محمد بن جعفر بن أبي كثير ، وحفص بن ميسرة ، وشعبة وعبد العزيز بن محمد ، كلهم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة ، مرفوعا أسند ذلك كله في التمهيد .