من المهمات ، وقد أفرده جماعة كثيرون بالتصنيف ; ومنهم تجويد القرآن الداني وغيره أخرج عن أنه قال : ( جودوا القرآن ) . ابن مسعود
قال القراء : التجويد حلية القراءة ، وهو إعطاء الحروف حقوقها ، وترتيبها ، ورد الحرف إلى مخرجه وأصله ، وتلطيف النطق به على كمال هيئته ، من غير إسراف ولا تعسف ولا إفراط ولا تكلف ، وإلى ذلك أشار - صلى الله عليه وسلم - بقوله : يعني من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ، وكان - رضي الله عنه - قد أعطي حظا عظيما في تجويد القرآن . ابن مسعود
ولا شك أن الأمة - كما هم متعبدون بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده - هم متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراء ، المتصلة بالحضرة النبوية .
وقد عد العلماء القراءة بغير تجويد لحنا ، فقسموا اللحن إلى جلي وخفي ، فاللحن [ ص: 325 ] خلل يطرأ على الألفاظ فيخل ، إلا أن الجلي يخل إخلالا ظاهرا ، يشترك في معرفته علماء القراءة وغيرهم . وهو الخطأ في الإعراب ، والخفي يخل إخلالا يختص بمعرفته علماء القراءة وأئمة الأداء ، الذين تلقوه من أفواه العلماء ، وضبطوه من ألفاظ أهل الأداء .
قال ابن الجزري : ولا أعلم لبلوغ النهاية في التجويد مثل رياضة الألسن والتكرار على اللفظ المتلقى من فم المحسن .
وقاعدته : ترجع إلى معرفة كيفية الوقف والإمالة والإدغام وأحكام الهمز والترقيق والتفخيم ومخارج الحروف ; وقد تقدمت الأربعة الأول . وأما الترقيق : فالحروف المستفلة كلها مرققة ، لا يجوز تفخيمها ، إلا اللام من اسم الله بعد فتحة أو ضمة إجماعا ، أو بعد حروف الإطباق في رواية إلا الراء المضمومة أو المفتوحة مطلقا ، أو الساكنة في بعض الأحوال ، والحروف المستعلية كلها مفخمة لا يستثنى منها شيء في حال من الأحوال .
وأما : فالصحيح عند القراء ومتقدمي النحاة مخارج الحروف كالخليل أنها سبعة عشر .
وقال كثير من الفريقين : ستة عشر ، فأسقطوا مخرج الحروف الجوفية ، وهي حروف المد واللين ، وجعلوا مخرج الألف من أقصى الحلق ، والواو من مخرج المتحركة ، وكذا الياء .
وقال قوم أربعة عشر ، فأسقطوا مخرج النون واللام والراء ، وجعلوها من مخرج واحد .
قال : وكل ذلك تقريب ، وإلا فلكل حرف مخرج على حدة . ابن الحاجب
قال القراء : واختبار مخرج الحرف محققا : أن تلفظ بهمزة الوصل وتأتي بالحرف بعده ساكنا أو مشددا ، وهو أبين ، ملاحظا فيه صفات ذلك الحرف :
المخرج الأول : الجوف للألف ، والواو والياء الساكنتين بعد حركة تجانسهما .
الثاني : أقصى الحلق للهمزة والهاء .
الثالث : وسطه ، للعين والحاء المهملتين .
الرابع : أدناه للفم ، للغين والخاء .
الخامس : أقصى اللسان مما يلي الحلق ، وما فوقه من الحنك للقاف .
السادس : أقصاه من أسفل مخرج القاف قليلا ، وما يليه من الحنك للكاف .
السابع : وسطه ، بينه وبين وسط الحنك ، للجيم والشين والياء .
[ ص: 326 ] الثامن : للضاد المعجمة ، من أول حافة اللسان وما يليه من الأضراس من الجانب الأيسر ، وقيل : الأيمن .
التاسع : اللام من حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرفه ، وما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى .
العاشر : للنون من طرفه أسفل اللام قليلا .
الحادي عشر : للراء من مخرج النون ، لكنها أدخل في ظهر اللسان .
الثاني عشر : للطاء والدال والتاء من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا مصعدا إلى جهة الحنك .
الثالث عشر : الحرف الصفير : الصاد والسين والزاي ، من بين طرف اللسان وفويق الثنايا السفلى .
الرابع عشر : للظاء والثاء والذال ، من بين طرفه ، وأطراف الثنايا العليا .
الخامس عشر : للفاء ، من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا .
السادس عشر : للباء والميم والواو غير المدية ، بين الشفتين .
السابع عشر : الخيشوم للغنة في الإدغام والنون والميم الساكنة .
قال في النشر : فالهمزة والهاء اشتركا مخرجا وانفتاحا واستفالا ، وانفردت الهمزة بالجهر والشدة ، والعين والحاء اشتركا كذلك ، وانفردت الحاء بالهمس والرخاوة الخالصة . والغين والخاء اشتركا مخرجا ورخاوة واستعلاء وانفتاحا ، وانفردت الغين بالجهر . والجيم والشين والياء اشتركت مخرجا وانفتاحا واستفالا ، وانفردت الجيم بالشد ، واشتركت مع الياء في الجهر ، وانفردت الشين بالهمس والتفشي ، واشتركت مع الياء في الرخاوة . والضاد والظاء اشتركا صفة جهرا ورخاوة واستعلاء وإطباقا ، وافترقا مخرجا ، وانفردت الضاد بالاستطالة ، والطاء والدال والتاء اشتركت مخرجا وشدة ، وانفردت الطاء بالإطباق والاستعلاء ، واشتركت مع الدال في الجهر ، وانفردت التاء بالهمس ، واشتركت مع الدال في الانفتاح والاستفال . والظاء والذال والثاء اشتركت مخرجا ورخاوة ، وانفردت الظاء بالاستعلاء والإطباق ، واشتركت مع الذال في الجهر ، وانفردت الثاء بالهمس ، واشتركت مع الذال انفتاحا واستفالا . والصاد والزاي والسين اشتركت مخرجا ورخاوة وصفيرا ، وانفردت الصاد بالإطباق والاستعلاء واشتركت مع السين في الهمس ، وانفردت الزاي بالجهر ، واشتركت مع السين في الانفتاح والاستفال .
[ ص: 327 ] فإذا أحكم القارئ النطق بكل حرف على حدته موفى حقه ، فليعمل نفسه بإحكامه حالة التركيب ، لأنه ينشأ عن التركيب ما لم يكن حالة الإفراد ، بحسب ما يجاورها من مجانس ومقارب وقوي وضعيف ، ومفخم ، ومرقق ، فيجذب القوي الضعيف ويغلب المفخم المرقق ، ويصعب على اللسان النطق بذلك على حقه إلا بالرياضة الشديدة ، فمن أحكم صحة التلفظ حالة التركيب ، حصل حقيقة التجويد .
ومن قصيدة الشيخ علم الدين في التجويد ومن خطه نقلت :
لا تحسب التجويد مدا مفرطا أو مد ما لا مد فيه لوان أو أن تشدد بعد مد همزة
أو أن تلوك الحرف كالسكران أو أن تفوه بهمزة متهوعا
فيفر سامعها من الغثيان للحرف ميزان فلا تك طاغيا
فيه ولا تك مخسر الميزان فإذا همزت فجئ به متلطفا
من غير ما بهر وغير توان وامدد حروف المد عند مسكن
أو همزة حسنا أخا إحسان
قال في " جمال القراء " : قد ابتدع الناس في قراءة القرآن أصوات الغناء ، ويقال : إن أول ما غني به من القرآن قوله تعالى : أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر [ الكهف : 79 ] . نقلوا ذلك من تغنيهم بقول الشاعر .
أما القطاة فإني سوف أنعتها نعتا يوافق عندي بعض ما فيها
ومما ابتدعوه شيء سموه : الترعيد ، وهو : أن يرعد صوته كالذي يرعد من برد أو ألم .
وآخر سموه : الترقيص ; وهو : أن يروم السكوت على الساكن ، ثم ينفر مع الحركة كأنه في عدو أو هرولة .
وآخر يسمى : التطريب ، وهو : أن يترنم بالقرآن ويتنغم به ، فيمد في غير مواضع المد ويزيد في المد على ما لا ينبغي .
وآخر يسمى : التحزين ; وهو : أن يأتي على وجه حزين يكاد يبكي مع خشوع وخضوع .
[ ص: 328 ] ومن ذلك نوع أحدثه هؤلاء الذين يجتمعون فيقرءون كلهم بصوت واحد ، فيقولون في قوله تعالى : أفلا تعقلون ( أفل تعقلون ) بحذف الألف ، و ( قال آمنا ) بحذف الواو ، ويمدون ما لا يمد ، ليستقيم لهم الطريق التي سلكوها ، وينبغي أن يسمى : التحريف . انتهى .