64 - لما
على ثلاثة أوجه :
أحدها : تدخل على المضارع فتجزمه وتقلبه ماضيا ، كـ " لم " ، نحو : ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ( آل عمران : 142 ) بل لما يذوقوا عذاب ( ص : 8 ) أي لم يذوقوه . ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ( البقرة : 214 ) لكنها تفارق " لم " من جهات :
أحدها : أن " لم " لنفي فعل ، و " لما " لنفي " قد فعل " ، فالمنفي بها آكد ، قال في الفائق : " لما " مركبة من " لم " و " ما " ، وهي نقيضة " قد " ، وتنفي ما تثبته من الخبر المنتظر . الزمخشري
[ ص: 327 ] وهذا أخذه من أبي الفتح ، فإنه قال : أصل " لما " " لم " زيدت عليها " ما " ، فصارت نفيا ، لقوله : " قد كان " " ولم " تنفي " فعل " ، تقول : قام زيد ، فيقول المجيب بالنفي : لم يقم ، فإن قلت : قد قام ، قال : لما يقم ، لما زاد في الإثبات " قد " زاد في النفي " ما " إلا أنهم لما ركبوا " لم " مع " ما " حدث لها معنى ولفظ ، أما المعنى فإنها صارت في بعض المواضع ظرفا ، فقالوا : لما قمت قام زيد ، أي وقت قيامك قام زيد ، وأما اللفظ فلأنه يجوز الوقف عليها دون مجزومها ، نحو جئتك ولما . أي ولما تجئ . انتهى .
ويخرج من كلامه ثلاثة فروق : ما ذكرناه أولا ، وكونها قد تقع اسما هو ظرف ، وأنه يجوز الوقف عليها دون المنفي بخلاف " لم " .
ورابعها : يجيء اتصال منفيها بالحال ، والمنفي بلم لا يلزم فيه ذلك ، بل قد يكون منقطعا ، نحو : هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ( الإنسان : 1 ) وقد يكون متصلا ، نحو : ولم أكن بدعائك رب شقيا ( مريم : 4 ) .
وخامسها : أن الفعل بعد " لما " يجوز حذفه اختيارا وهي أحسن ما تخرج عليه قراءة " وإن كلا لما " ( هود : 111 ) ، ولا يجوز حذفه بعد " لم " إلا في ضرورة وهذا يرجع للثالث .
[ ص: 328 ] سادسها : أن " لم " تصاحب أدوات الشرط بخلاف " لما " فلا يقال : إن لما يقم ، وفي التنزيل : وإن لم تفعل ( المائدة : 67 ) وإن لم ينتهوا ( المائدة : 73 ) .
سابعها : أن منفي " لما " متوقع ثبوته بخلاف منفي " لم " ، ألا ترى أن معنى : بل لما يذوقوا عذاب ( ص : 8 ) أنهم لم يذوقوه إلى الآن ، وأن ذوقهم له متوقع .
قال في قوله تعالى : الزمخشري ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ( الحجرات : 14 ) ما في " لما " من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد .
وأنكر الشيخ أبو حيان دلالة لما على التوقع فكيف يتوهم أنه يقع بعد .
وأجاب بعضهم بأن " لما " ليست لنفي المتوقع حيث يستبعد توقعه ، وإنما هي لنفي الفعل المتوقع ، كما أن " قد " لإثبات الفعل المتوقع ، وهذا معنى قول النحويين : إنها موافقة لـ ( قد فعل ) أي يجاب بها في النفي حيث يجاب بقد في الإثبات ، ولهذا قال ابن السراج : جاءت لما بعد فعل ، يقول القائل : لما يفعل فتقول قد فعل ، فانظر كيف أجاب بقد الدالة على أن النافي بلما متوقع لما نفاه .
الوجه الثاني : أن تدخل على ماض ، فهي حرف وجود لوجود ، أو وجوب لوجوب ، فيقتضي وقوع الأمرين جميعا ، عكس ( لو ) نحو : لما جاءني زيد أكرمته . وقال ابن السراج والفارسي : ظرف بمعنى " حين " .
[ ص: 329 ] ورده ابن عصفور بقوله : وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا ( الكهف : 59 ) قال : لأن الهلاك لم يقع حين ظلموا ، بل كان بين الظلم والهلاك إرسال الرسل وإنذارهم إياهم ، وبعد ذلك وقع الإهلاك فليست بمعنى " حين " ، وهذا الرد لا يحسن إلا إذا قدرنا الإهلاك أول ما ابتدأ الظلم ، وليس كذلك ، بل قوله : ظلموا في معنى استداموا الظلم أي وقع الإهلاك لهم في حين ظلمهم أي في حين استدامتهم الظلم وهم متلبسون به .
ومن أمثلتها قوله تعالى : فلما نجاكم إلى البر أعرضتم ( الإسراء : 67 ) وقوله : ولما ورد ماء مدين ( القصص : 23 ) . ولما جاءت رسلنا لوطا ( هود : 77 ) . إلا قوم يونس لما آمنوا ( يونس : 98 ) . لما رأوا بأسنا ( غافر : 85 )
وأما جوابها فقد يجيء ظاهرا كما ذكرنا ، وقد يكون جملة اسمية مقرونة بالفاء ، نحو : فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد ( لقمان : 32 ) أو مقرونة بما النافية كقوله : فلما جاءهم نذير ما زادهم ( فاطر : 42 ) .
أو بإذا المفاجئة ، نحو : فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون ( الأنبياء : 12 ) . ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون ( الزخرف : 57 ) فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ( العنكبوت : 65 ) . فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون ( الزخرف : 57 ) .
وبهذا رد على من زعم أنها ظرف بمعنى " حين " فإن ما النافية وإذا الفجائية لا يعمل ما بعدهما فيما قبلهما ، فانتفى أن يكون ظرفا .
وقد يكون مضارعا كقوله تعالى : فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا ( هود : 74 ) وهو بمعنى الماضي أي جادلنا .
[ ص: 330 ] وقد يحذف كقوله : فمنهم مقتصد ( لقمان : 32 ) قال بعضهم : التقدير انقسموا قسمين ، منهم مقتصد ، ومنهم غير ذلك ، لكن الحق أن " مقتصد " هو الجواب ، هو الذي ذكره ابن مالك ، ونوزع في ذلك من جهة أن خبرها مقرون بالفاء يحتاج لدليل .
وقوله : لو أن لي بكم قوة ( هود : 80 ) جوابه محذوف أي لمنعتكم .
وأما قوله عز وجل : ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ( البقرة : 89 ) . قيل : جواب لما الأولى لما الثانية ؛ وجوابها ، ورد باقترانه . وقيل : " كفروا به " جواب لهما ، لأن الثانية تكرير للأولى . وقيل : جواب الأولى محذوف أي أنكروه .
واختلف في قوله تعالى : فلما أضاءت ما حوله ( البقرة : 17 ) فقيل : الجواب ذهب الله وقيل : محذوف استطالة للكلام مع أمن اللبس ، أي حمدت .
وكذلك قوله : فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه ( يوسف : 15 ) قيل الجواب قوله : وأوحينا إليه ( يوسف : 15 ) على جعل الواو زائدة . وقيل : الجواب محذوف ، أي أنجيناه وحفظناه .
وقوله : فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا ( هود : 74 ) ، قيل : الجواب وجاءته على زيادة الواو . وقيل : الجواب محذوف ، أي أخذ يجادلنا . وقيل : يجادلنا مؤول بجادلنا . وكذلك قوله : فلما أسلما وتله للجبين ( الصافات : 103 ) أي أجزل له الثواب وتله .
وأما قوله : وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ( السجدة : 24 ) فما تقدم من قوله وجعلنا يسد مسد الجواب ، لا أنه الجواب ، لأن الجواب لا يقدم عليها .
وكذا قوله : وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا ( الكهف : 59 ) فما تقدم من [ ص: 331 ] قوله : أهلكناهم يسد مسد الجواب لا أنه الجواب ، لأن الجواب لا يقدم عليها .
وقوله : فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا ( فاطر : 42 ) فإنما وقع جوابها بالنفي ، لأن التقدير : فلما جاءهم نذير زادهم نفورا أو ازداد نفورهم .
تنبيه : يختلف المعنى بين تجردها من " أن " ودخولها عليها ، وذلك أن من شأنها أن تدل على أن الفعل الذي هو ناصبها قد تعلق بعقب الفعل الذي هو خافضته من غير مهلة ، وإذا انفتحت " أن " بعدها أكدت هذا المعنى وشددته ، وذكره في كشافه القديم ، قال : ونراه مبنيا في قوله تعالى : الزمخشري ولما أن جاءت رسلنا لوطا ( العنكبوت : 33 ) الآية ، كأنه قال : لما أبصرهم لحقته المساءة ، وضيق الذرع في بديهة الأمر وغرته .
الوجه الثالث : حرف استثناء كقوله تعالى : إن كل نفس لما عليها حافظ ( الطارق : 4 ) على قراءة تشديد الميم . وقوله : وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ( الزخرف : 35 ) .