أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين أم له البنات ولكم البنون أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون أم عندهم الغيب فهم يكتبون أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم
قوله : أم خلقوا من غير شيء أم هذه هي المنقطعة كما تقدم فيما قبلها ، وكما سيأتي فيما بعدها : أي بل أخلقوا على هذه الكيفية البديعة والصنعة العجيبة من غير خالق لهم .
قال : أي أخلقوا باطلا لغير شيء لا يحاسبون ولا يؤمرون ولا ينهون ، وجعل " من " بمعنى اللام . الزجاج
قال ابن كيسان : أم خلقوا عبثا وتركوا سدى لا يؤمرون ولا ينهون .
وقيل : المعنى : أم خلقوا من غير أب ولا أم ، فهم كالجماد لا يفهمون ولا تقوم عليهم حجة أم هم الخالقون أي بل أيقولون هم الخالقون لأنفسهم فلا يؤمرون ولا ينهون مع أنهم يقرون أن الله خالقهم ، وإذا أقروا لزمتهم الحجة .
أم خلقوا السماوات والأرض وهم لا يدعون ذلك فلزمتهم الحجة ، ولهذا أضرب عن هذا وقال بل لا يوقنون أي ليسوا على يقين من الأمر ، بل يخبطون في ظلمات الشك في وعد الله ووعيده .
أم عندهم خزائن ربك أي خزائن أرزاق العباد ، وقيل : مفاتيح الرحمة .
قال مقاتل : يقول : أبأيديهم مفاتيح ربك بالرسالة فيضعونها حيث شاءوا ؟ وكذا قال عكرمة : وقال الكلبي : خزائن المطر والرزق أم هم المسيطرون أي المسلطون الجبارون .
قال في الصحاح : المسيطر المسلط على الشيء ليشرف عليه ، ويتعهد أحواله ، ويكتب عمله ، وأصله من السطر لأن الكتاب يسطر .
وقال أبو عبيدة : سطرت علي : اتخذتني خولا لك .
قرأ الجمهور المصيطرون بالصاد الخالصة ، وقرأ ابن محيصن ، وحميد ، ومجاهد ، وقنبل ، وهشام بالسين الخالصة ، ورويت هذه القراءة عن حفص ، وقرأ خلاد بصاد مشمة زايا .
أم لهم سلم يستمعون فيه أي بل أيقولون إن لهم سلما منصوبا إلى السماء يصعدون به ويستمعون فيه كلام الملائكة وما يوحى إليهم ويصلون به إلى علم الغيب كما يصل إليه محمد صلى الله عليه وسلم بطريق الوحي .
وقوله فيه صفة لسلم ، وهي للظرفية على بابها ، وقيل هي بمعنى على : أي يستمعون عليه كقوله : ولأصلبنكم في جذوع النخل قاله الأخفش .
وقال أبو عبيدة : يستمعون به .
وقال : المعنى : أنهم الزجاج كجبريل الذي يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي ، وقيل هي في محل نصب على الحال : أي صاعدين فيه فليأت مستمعهم إن ادعى ذلك بسلطان مبين أي بحجة واضحة ظاهرة .
أم له البنات ولكم البنون أي بل أتقولون لله البنات ولكم البنون ، سفه سبحانه أحلامهم ، وضلل عقولهم ووبخهم : أي أيضيفون إلى الله البنات وهي أضعف الصنفين ، ويجعلون لأنفسهم البنين وهم أعلاهما ، وفيه إشعار بأن من كان هذا رأيه فهو بمحل سافل في الفهم والعقل ، فلا يستبعد منه إنكار البعث وجحد التوحيد .
ثم رجع سبحانه إلى خطاب رسوله صلى الله عليه وسلم فقال : أم تسألهم أجرا أي بل أتسألهم أجرا يدفعونه إليك على تبليغ الرسالة فهم من مغرم مثقلون أي من التزام غرامة تطلبها منهم مثقلون : أي مجهودون بحملهم ذلك المغرم الثقيل .
قال قتادة : يقول : هل سألت هؤلاء القوم أجرا فجهدهم فلا يستطيعون الإسلام .
أم عندهم الغيب فهم يكتبون أي بل أيدعون أن عندهم علم الغيب ، وهو ما في اللوح المحفوظ فهم يكتبون للناس ما أرادوا من علم الغيب .
قال قتادة هذا جواب لقولهم : نتربص به ريب المنون يقول الله : أم عندهم الغيب حتى علموا أن محمدا يموت قبلهم فهم يكتبون .
قال ابن قتيبة : معنى يكتبون يحكمون بما يقولون .
أم يريدون كيدا أي مكرا برسول الله صلى الله عليه وسلم فيهلكونه بذلك المكر فالذين كفروا هم المكيدون أي الممكور بهم المجزيون بكيدهم ، فضرر كيدهم يعود عليهم ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله [ فاطر : 43 ] وقد قتلهم الله في يوم بدر وأذلهم في غير موطن ، ومكر سبحانه بهم ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين [ آل عمران : 54 ] .
أم لهم إله غير الله أي بل يدعون أن لهم إلها غير الله يحفظهم ويرزقهم وينصرهم .
ثم نزه سبحانه نفسه عن هذه المقالة الشنعاء فقال : سبحان الله عما يشركون أي عن شركهم به ، أو عن [ ص: 1416 ] الذين يجعلونهم شركاء له .
ثم ذكر سبحانه بعض جهالاتهم ، فقال : وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم الكسف جمع كسفة : وهي القطعة من الشيء ، وانتصاب ساقطا على الحال ، أو على أنه المفعول الثاني ، والمركوم : المجعول بعضه على بعض .
والمعنى : أنهم إن يروا كسفا من السماء ساقطا عليهم لعذابهم لم ينتهوا عن كفرهم بل يقولون هو سحاب متراكم بعضه على بعض ، وقد تقدم اختلاف القراء في كسفا .
قال الأخفش : من قرأ كسفا ، يعني بكسر الكاف وسكون السين جعله واحدا ، ومن قرأ " كسفا " ، يعني بكسر الكاف وفتح السين جعله جمعا .
ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتركهم ، فقال : فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون أي اتركهم وخل عنهم حتى يلاقوا يوم موتهم ، أو يوم قتلهم ببدر ، أو يوم القيامة .
قرأ الجمهور يلاقوا وقرأ أبو حيوة " يلقوا " وقرأ الجمهور : يصعقون على البناء للفاعل : وقرأ ابن عامر ، وعاصم على البناء للمفعول ، والصعقة : الهلاك على ما تقدم بيانه .
يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا هو بدل من يومهم : أي لا ينفعهم في ذلك اليوم كيدهم الذي كادوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا ولا هم ينصرون أي ولا يمنع عنهم العذاب النازل بهم مانع ، بل هو واقع بهم لا محالة .
وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك أي لهؤلاء الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي عذابا في الدنيا دون عذاب يوم القيامة : أي قبله ، وهو قتلهم يوم بدر .
وقال ابن زيد : هو مصائب الدنيا من الأوجاع والأسقام والبلايا ، وذهاب الأموال والأولاد .
وقال مجاهد : هو الجوع والجهد سبع سنين ، وقيل عذاب القبر ، وقيل المراد بالعذاب هو القحط ، وبالعذاب الذي يأتي بعده هو قتلهم يوم بدر ولكن أكثرهم لا يعلمون ما يصيرون إليه من عذاب الله وما أعده لهم في الدنيا والآخرة .
واصبر لحكم ربك إلى أن يقع لهم العذاب الذي وعدناهم به فإنك بأعيننا أي بمرأى ومنظر منا ، وفي حفظنا وحمايتنا فلا تبال بهم .
قال : إنك بحيث نراك ونحفظك ونرعاك فلا يصلون إليك الزجاج وسبح بحمد ربك حين تقوم أي نزه ربك عما لا يليق به متلبسا بحمد ربك على إنعامه عليك حين تقوم من مجلسك .
قال عطاء ، ، وسعيد بن جبير ، وسفيان الثوري وأبو الأحوص : يسبح الله حين يقوم من مجلسه فيقول : سبحان الله وبحمده ، أو سبحانك اللهم وبحمدك عند قيامه من كل مجلس يجلسه .
وقال ، محمد بن كعب والضحاك ، : حين تقوم إلى الصلاة . والربيع بن أنس
قال الضحاك يقول : الله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا ، وفيه نظر لأن التكبير يكون بعد القيام لا حال القيام ، ويكون التسبيح بعد التكبير ، وهذا غير معنى الآية ، فالأول أولى .
وقيل المعنى : صل لله حين تقوم من منامك ، وبه قال أبو الجوزاء ، . وحسان بن عطية
وقال الكلبي : واذكر الله باللسان حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل الصلاة ، وهي صلاة الفجر .
ومن الليل فسبحه أمره الله سبحانه أن يسبحه في بعض الليل ، قال مقاتل : أي صل المغرب والعشاء ، وقيل : ركعتي الفجر وإدبار النجوم أي وقت إدبارها من آخر الليل ، وقيل صلاة الفجر ، واختاره وقيل هو التسبيح في إدبار الصلوات ، قرأ الجمهور إدبار بكسر الهمزة على أنه مصدر ، وقرأ ابن جرير ، ، سالم بن أبي الجعد ومحمد بن السميفع ، ويعقوب ، بفتحها على الجمع : أي أعقاب النجوم وأدبارها : إذا غربت ، ودبر الأمر : آخره ، وقد تقدم الكلام على هذا في سورة " ق " . والمنهال بن عمرو
وقد أخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم في قوله : ابن عباس أم هم المسيطرون قال : المسلطون .
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر عنه قال : أم هم المنزلون .
وأخرجا عنه أيضا عذابا دون ذلك قال : عذاب القبر قبل يوم القيامة .
وأخرج ، ابن أبي شيبة وأبو داود ، ، والنسائي والحاكم ، وابن مردويه عن قال : أبي برزة الأسلمي ، أستغفرك وأتوب إليك . فقال رجل : يا رسول الله : إنك لتقول قولا ما كنت تقوله فيما مضى ، قال : كفارة لما يكون في المجلس سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بآخرة إذا قام من المجلس يقول :
وأخرجه ، النسائي والحاكم من حديث عن الربيع بن أنس أبي العالية عن عن النبي صلى الله عليه وسلم . رافع بن خديج
وأخرج الترمذي ، عن وابن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أبي هريرة . من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه ، فقال قبل أن يقوم من مجلسه : سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك
قال الترمذي : حسن صحيح .
وفي الباب أحاديث مسندة ومرسلة .
وأخرج ابن مردويه عن في قوله : ابن عباس وسبح بحمد ربك حين تقوم قال : حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل في الصلاة .
وأخرج ابن مردويه عن عن النبي صلى الله عليه وسلم أبي هريرة في قوله : ومن الليل فسبحه قال : الركعتان قبل صلاة الصبح .
وأخرج ، ابن جرير عن وابن أبي حاتم ابن عباس وإدبار النجوم قال : ركعتي الفجر .