وقد روى العباس عن أبي عمرو ، وروى بشر عن " أوعظت " بإدغام الظاء في التاء وهو بعيد ، لأن حرف الظاء حرف إطباق إنما يدغم فيما قرب منه جدا . الكسائي
وروي ذلك عن عاصم ، والأعمش وابن محيصن . وقرأ الباقون بإظهار الظاء .
إن هذا إلا خلق الأولين أي : ما هذا الذي جئتنا به ودعوتنا إليه من الدين إلا خلق الأولين ، أي : عادتهم التي كانوا عليها .
وقيل : المعنى : ما هذا الذي جئتنا به ودعوتنا إليه من الدين إلا خلق الأولين وعادتهم ، وهذا بناء على ما قاله الفراء وغيره : إن معنى خلق الأولين عادة الأولين . قال النحاس : خلق الأولين عند الفراء بمعنى : عادة الأولين .
وحكى لنا محمد بن الوليد عن محمد بن يزيد قال خلق الأولين مذهبهم وما جرى عليه أمرهم ، والقولان متقاربان .
قال : وحكى لنا محمد بن يزيد أن معنى خلق الأولين تكذيبهم .
قال مقاتل : قالوا ما هذا الذي تدعونا إليه إلا كذب الأولين .
قال الواحدي : وهو قول ابن مسعود ومجاهد .
قال : والخلق والاختلاق الكذب ، ومنه قوله : وتخلقون إفكا [ العنكبوت : 17 ] قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب " خلق الأولين " بفتح الخاء وسكون اللام .
وقرأ الباقون بضم الخاء واللام .
قال الهروي : معناه على القراءة الأولى : اختلاقهم وكذبهم ، وعلى القراءة الثانية : عادتهم ، وهذا التفصيل لا بد منه .
قال : الخلق الدين ، والخلق الطبع ، والخلق المروءة . وقرأ ابن الأعرابي بضم الخاء ، وسكون اللام ، وهي تخفيف لقراءة الضم لهما والظاهر أن المراد بالآية هو قول من قال : ما هذا الذي نحن عليه إلا عادة الأولين وفعلهم . ويؤيده قولهم : أبو قلابة وما نحن بمعذبين أي : على ما نفعل من البطش ونحوه مما نحن عليه الآن .
فكذبوه فأهلكناهم أي : بالريح كما صرح القرآن في غير هذا الموضع بذلك إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم تقدم تفسير هذا قريبا في هذه السورة .
ثم لما فرغ - سبحانه - من ذكر قصة هود وقومه ذكر قصة صالح وقومه ، وكانوا يسكنون الحجر ، فقال : كذبت ثمود إلى قوله إلا على رب العالمين قد تقدم تفسيره في قصة هود المذكورة قبل هذه القصة .
أتتركون في ما هاهنا آمنين الاستفهام للإنكار أي : أتتركون في هذه النعم التي أعطاكم الله آمنين من الموت والعذاب باقين في الدنيا ، ولما أبهم النعم في هذا فسرها بقوله : في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم والهضيم النضيح الرخص اللين اللطيف ، والطلع ما يطلع من الثمر ، وذكر النخل مع دخوله تحت الجنات لفضله على سائر الأشجار ، وكثيرا ما يذكرون الشيء الواحد بلفظ يعمه وغيره كما يذكرون النعم ولا يقصدون إلا الإبل ، وهكذا يذكرون الجنة ، ولا يريدون إلا [ ص: 1064 ] النخل . قال زهير :
كأن عيني في غربي مقتلة من النواضح تسقي جنة سحقا
وسحقا جمع سحوق ، ولا يوصف به إلا النخل . وقيل : المراد بالجنات غير النخل من الشجر ، والأول أولى . وحكى الماوردي في معنى هضيم إثني عشر قولا أحسنها وأوفقها للغة ما ذكرناه .
وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين النحت : النجر والبري ، نحته ينحته بالكسر براه ، والنحاتة البراية ، وكانوا ينحتون بيوتهم من الجبال لما طالت أعمارهم وتهدم بناؤهم من المدر .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ، وابن ذكوان " فرهين " بغير ألف ، وقرأ الباقون " فارهين " بالألف .
قال أبو عبيدة وغيره : وهما بمعنى واحد .
والفره : النشاط ، وفرق بينهما أبو عبيد وغيره فقالوا فارهين حاذقين بنحتها ، وقيل : متجبرين ، و " فرهين " بطرين أشرين ، وبه قال مجاهد وغيره .
وقيل : شرهين ، وقال الضحاك : كيسين ، وقال قتادة : معجبين ناعمين آمنين ، وبه قال الحسن ، وقيل : فرحين ، قاله الأخفش ، وقال ابن زيد : أقوياء .
فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين أي : المشركين ، وقيل : الذين عقروا الناقة ، ثم وصف هؤلاء المسرفين بقوله : الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون أي : ذلك دأبهم يفعلون الفساد في الأرض ولا يصدر منهم الصلاح البتة .
قالوا إنما أنت من المسحرين أي : الذين أصيبوا بالسحر قاله مجاهد ، وقتادة ، وقيل : المسحر هو المعلل بالطعام والشراب قاله الكلبي وغيره ، فيكون المسحر الذي له سحر ، وهو الرئة ، فكأنهم قالوا إنما أنت بشر مثلنا تأكل وتشرب .
قال الفراء : أي : إنك تأكل الطعام والشراب وتسحر به ، ومنه قول امرئ القيس أو لبيد :
فإن تسألينا فيم نحن فإننا عصافير من هذه الأنام المسحر
وقال امرؤ القيس أيضا :
أرانا موضعين لحتم غيب ونسحر بالطعام وبالشراب
قال المؤرج : المسحر المخلوق بلغة ربيعة .
ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين في قولك ودعواك .
قال هذه ناقة الله لها شرب ولكم شرب يوم معلوم أي : لها نصيب من الماء ولكم نصيب منه معلوم ليس لكم أن تشربوا في اليوم الذي هو نصيبها ، ولا هي تشرب في اليوم الذي هو نصيبكم .
قال الفراء : الشرب الحظ من الماء .
قال النحاس : فأما المصدر ، فيقال : فيه شرب شربا وأكثرهم المضموم ، والشرب بفتح الشين جمع شارب ، والمراد هنا الشرب بالكسر ، وبه قرأ الجمهور فيهما ، وقرأ بالضم فيهما . ابن أبي عبلة
ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم أي : لا تمسوها بعقر ، أو ضرب ، أو شيء مما يسوؤها ، وجواب النهي ( فيأخذكم ) .
فعقروها فأصبحوا نادمين على عقرها ، لما عرفوا أن العذاب نازل بهم ، وذلك أنه أنظرهم ثلاثا ، فظهرت عليهم العلامة في كل يوم وندموا حيث لا ينفع الندم ، لأن ذلك لا يجدي عند معاينة العذاب وظهور آثاره .
فأخذهم العذاب الذي وعدهم به .
وقد تقدم تفسير قوله : إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم في هذه السورة ، وتقدم أيضا تفسير قصة صالح وقومه في غير هذه السورة .
وقد أخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، ، عن ابن عباس وابن أبي حاتم ونخل طلعها هضيم قال : معشب ، وأخرج ابن جرير ، عنه قال : أينع وبلغ ، وأخرج وابن أبي حاتم ، عنه أيضا قال : أرطب واسترخى . وأخرج ابن أبي حاتم ابن جرير ، وابن المنذر ، عنه أيضا في قوله : وابن أبي حاتم ، فارهين قال : حاذقين . وأخرج ابن جرير ، عنه قال : وابن أبي حاتم ، فارهين أشرين . وأخرج الفريابي وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم ، مجاهد قال : شرهين .
وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والخطيب من طرق عن ابن عباس في قوله : وابن عساكر إنما أنت من المسحرين قال : من المخلوقين ، وأنشد قوله لبيد بن ربيعة :
فإن تسألينا فيم نحن . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت
وأخرج عنه أيضا في قوله : عبد بن حميد لها شرب قال : إذا كان يومها أصدر لها لبنا ما شاءوا .